احذر رباط حذائك! - مقال للشيخ علي حسن


قد يكون المعنى المتبادر الى الذهن من قوله تعالى {تِلْك الدّارُ الْآخِرةُ نجْعلُها لِلّذِين لا يُرِيدُون عُلُوًّا فِي الْأرْضِ ولا فسادًا والْعاقِبةُ لِلْمُتّقِين} القصص:٨٣ اختصاص الآية بفئة معينة من الناس تمتلك من القدرة والسلطان ما يجعلها عُرضة للوقوع في فخ (العلو في الأرض) والاستكبار على الخلق وبالتالي تكون سبباً للفساد.
الا ان الخبر التالي المروي عن أمير المؤمنين علي عليه السلام يفتح لنا أفقاً أرحب، ويخرج المسألة من نطاق الفهم الضيق الى الشمولية في التطبيق.

شراك النعل
هكذا روي الحديث عن الامام علي عليه السلام: (ان الرجل ليعجبه من شِراك نعله ان يكون أجود من شراك نعل صاحبه فيدخل في قوله تعالى: {تِلْك الدّارُ الْآخِرةُ نجْعلُها لِلّذِين لا يُرِيدُون عُلُوًّا فِي الْأرْضِ ولا فسادًا والْعاقِبةُ لِلْمُتّقِين}، وشراك النعل هو ما يعبّر عنه برباط الحذاء.
بالطبع لا يقصد الامام ان مجرد الرغبة في اقتناء الشيء هي السبب لدخوله ضمن من تستهدفهم الآية الشريفة، بل بخصوصية رغبته في الاستعلاء على غيره بذلك، بدليل كلمة (أجود) الواردة في الرواية والتي تبين حالة المقارنة والتنافس والتعالي، والا فان نفس الرغبة في اقتناء ما هو حسن أو جميل أمرٌ لا يعيبه الإسلام، وقد روي ان رجلاً قال للنبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: (يا رسول الله اني أحب ان يكون ردائي حسناً ونعلي حسنة أفمن الكبر ذلك؟ فقال: لا، ان الله جميل يحب الجمال).

مد العين
ومن أهم مداخل (العلو في الأرض) ما جاء في قوله تعالى: {ولا تمُدّنّ عيْنيْك الىٰ ما متّعْنا بِهِ أزْواجًا مِّنْهُمْ زهْرة الْحياةِ الدُّنْيا لِنفْتِنهُمْ فِيهِ ورِزْقُ ربِّك خيْرٌ وأبْقىٰ} طه:١٣١.فهذا (المد للعينين) كان ومازال سبباً للكثير من المآسي التي يقع فيها الناس..فكم من شخص كتب شيكات بلا رصيد ودخل السجن بسبب مد العين! وكم من أسرة تفككت بسبب ضغط الزوجة لتملّك ما هو أفضل مما يتملكه الآخرون بسبب مد العين! وكم من سرقات وخيانات مالية وقعت بسبب مد العين! وكم من امرأة سلكت طريق الفواحش بسبب مد العين! وكم من جريمة ارتُكبت بسبب مد العين! وكم من انسان نسي المسجد ونسي الصلاة ونسي الآخرة ونسي الموت ونسي ربه بسبب مد العين؟

مفاتيح الحل
قدمت الآية الشريفة ضمنياً مفاتيح الحل لتجنب الوقوع في مآسي مد العين، ونلخصها في النقاط التالية: 1.الايمان بأن هذه المظاهر المادية ليست سوى زهرة جميلة عطرة، في ما تمثله الزهرة من وجود طارئ لا يطول دوامه، فهي تتوهج وتجذب الأنظار ثم سرعان ما تخبو ثم تذروها الرياح.{واضْرِبْ لهُم مّثل الْحياةِ الدُّنْيا كماءٍ أنزلْناهُ مِن السّماءِ فاخْتلط بِهِ نباتُ الْأرْضِ فأصْبح هشِيمًا تذْرُوهُ الرِّياحُ وكان اللهُ علىٰ كُلِّ شيْءٍ مُّقْتدِرًا} الكهف:45.
-2 ان هذه المظاهر هي زينة كما ان الزهرة زينة ومن الكماليات، وبالتالي فهي لا تمثل الأساس والأصل في التقييم، تماماً كمن يشتري بيتاً مبنياً على أسس ضعيفة وخدمات صحية وكهربائية ومواد عازلة غير متقنة، ولكنه يقتنيه انبهاراً بديكوراته الجميلة، فانه سرعان ما يكتشف الخطأ الكبير الذي وقع فيه، وذلك حين تبدأ تلك العيوب بالظهور لتكلّفه الكثير، وتفقده الاحساس بلذة الاستقرار والحياة الهنئية فيه.
-3 ان هذه المظاهر قد تنقلب وبالاً على الانسان ان لم يحسن التصرف بها، فهو مختبر بها ومحاسب عليها، وفق منطق الفتنة الوارد في الآية.
-4 الايمان بحكمة الله في ما يقسمه بين عباده من رزق في الدنيا، والرضا بذلك، فالخير في ما اختاره الله سبحانه لعبده.
-5 أولوية مد العين الى رزق الله في الآخرة، فهو خير وأبقى، وهي الدار التي من أجلها خُلق الانسان، وهي دار البقاء، والدنيا دار الفناء.