البرنامج الأمثل لإدارة الدولة وقيادة المجتمع (32) - حسين الشامي


قال أمير المؤمنين عليه السلام: (ثُمّ اعْرِفْ لِكُلِّ امرئ مِنْهُمْ ما أبْلى، ولا تضُمّنّ بلاء امرئ الى غيْرِهِ، ولا تُقصِّرنّ بِهِ دُون غايةِ بلائِهِ، ولا يدْعُونّك شرفُ امرئ الى ان تُعْظِم مِنْ بلائِهِ ما كان صغِيراً، ولا ضعةُ امرئ الى ان تسْتصْغِر مِنْ بلائِهِ ما كان عظِيماً).
إن من خصائص القائد الناجح ان يكون عارفاً بدقة طبيعة جنوده ومواقفهم، ومطلعاً على جهود وأفعال العاملين معه، وأن يكون واعياً في تقدير حقوقهم وتقيم مواقفهم وتضحياتهم.على ان يكون ميزانه الأساس في تقييم الشخصيات والمواقف: الموضوعية والدقة والانصاف، بعيداً عن العواطف والسطحية. وبتعبير آخر أن على الحاكم ان يعطي كل ذي حق حقه بما قدم وأعطى، فلا يخلط الجهود، ولا يبخس حق العاملين المخلصين، أو يقصِّر في تثمين جهودهم، وألا يقع في خطأ أو يضيف لآخرين أفعالاً لم تصدر منهم، لأن ذلك من شأنه أن يحدث ضعفاً في الإدارة والقيادة، أو يسبب اختلالاً في توازن العلاقة بين القائد والمسؤول، وبين العاملين تحت امرته. ومن دون ريب ان هذه العملية الحساسة ليست بالأمر الهين، وانما تتطلب الحكمة والحصافة والنظر العميق والتجرد من الذات والموضوعية والصدق والإنصاف والتقوى والإخلاص. ومع هذا فإن المسؤول المتصدي لا يتوقع أن يحظى برضا الآخرين دائماً مهما جسّد ميزان الحق ومعيار العدالة، لأن رضا الناس غاية لا تدرك. فعليه ان يصالح وجهاً واحداً يغنيه عن سائر الوجوه، وهو الباري سبحانه الذي يعلم النوايا ويدرك الخفايا ولا يعزب عنه مثقال ذرة. قال تعالى: {يعْلمُ خائِنة الأعْيُنِ وما تُخْفِي الصُّدُورُ} (غافر: 19).