خطبة الجمعة لسماحة الشيخ علي حسن غلوم في ذكرى استشهاد الإمام الحادي عشر العسكري وموضوع البدع المذهبية - الجزء الرابع


الجزء الرابع من خطبة الجمعة لسماحة الشيخ علي حسن غلوم في ذكرى استشهاد الإمام الحادي عشر العسكري أبي الإمام القائم المهدي المنتظر محمد ابن الحسن عجل الله فرجه الشريف عليه السلام. ـ
قال أحمد بن عبيد الله بن خاقان وهو المسئول عن الخراج بقم فجرى في مجلسه ذكر العلوية ومذاهبهم وكان شديد النصب: ما رأيت ولا عرفت بسر من رأى من العلوية مثل الحسن بن علي بن محمد بن الرضا ع ولا سمعت به في هديه وسكونه وعفافه ونبله وكرمه عند أهل بيته والسلطان وجميع بني هاشم وتقديمهم إياه على ذوي السن منهم والخطر وكذلك القواد والوزراء والكتاب وعوام الناس. وما سألت عنه أحدا من بني هاشم والقواد الكتاب والقضاة والفقهاء وسائر الناس إلا وجدته عندهم في غاية الإجلال والإعظام والمحل الرفيع والقول الجميل والتقديم له على أهل بيته ومشائخه وغيرهم. ولم أر له وليا ولا عدوا إلا وهو يُحسن القول فيه والثناء عليه .
ـ من كتاب له إلى بعض مواليه: كل مقدور كائن، فتوكل على الله جل وعز يكفيك، وثق به لا يُخيِّبك. وشكوتَ أخاك فاعلم يقيناً أن الله جل وعز لا يعين على قطيعة رحم، وهو جل ثناؤه من وراء ظلم كل ظالم، ومَن بُغي عليه لينصرنَّه الله، إن الله قوي عزيز. وسألت الدعاء إن الله جل وعز لك حافظ وناصر وساتر، وأرجو من الله الكريم الذي عرَّفك من حقه وحق أوليائه ما أعمى عنه غيرك أن لا يزيل عنك نعمةً أنعم بها عليك إنه ولي حميد.

الخطبة الثانية
ـ (ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْأِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ) (الحديد:27) ـ مفهوم الآية: طبيعة تركيز الرسالة العيسوية على الجانب المعنوي دفع بعض أتباعه عبر الزمن إلى الاستغراق في ذلك فوقعوا في خطئين:
1ـ لجؤوا إلى ابتداع الرهبنة والانقطاع عن المجتمع رغبة في نيل أرقى المراتب في العلاقة مع الله سبحانه، استيحاء منهم واجتهاداً في تطوير الجانب المعنوي.
2ـ بمرور الوقت تحولت الرهبنة إلى طقوسٍ وعادات وشعائر وشكليات خاليةٍ من الروح، مبتعدة بذلك عن الهدف الحقيقي.
ـ النبي يواجه محاولات الرهبنة: ولذا واجه النبي (ص) مثل هذا التوجه في عهده ـ ومبكراً ـ حين طلب منه عثمان بن مظعون أن يأذن له في إجراءٍ لا يجعله راغباًَ في النكاح، فمنعه من ذلك وقال له أن البديل عن ذلك هو الصيام. فقال عثمان: ائذن لي في الترهب. فقال: (إن ترهب أمتي الجلوس في المساجد لانتظار الصلاة). ومن هنا ذكروا أن من أسباب نشوء البدعة: المبالغة في التعبد لله تعالى.
ـ متى تصدق البدعية: لا بدعة في الحالتين التاليتين:
1ـ أن يتمتع المورد بالدليل الخاص المنصوص عليه. مثال: الدعاء بعد الصلاة المفروضة.
2ـ ما كان فيه دليل عام من القرآن أو السنة بحيث يشمل بعمومه المصادق الحادث. مثال: الاحتفال بمولد النبي وعقد المجالس الحسينية حيث يدخلان ضمن عموميات إحياء تعظيم و ذكر أهل البيت (أحيوا أمرنا).
ـ مطلوبية المرونة: هذا الحالة المرنة مطلوبة لئلا نصاب بالجمود كما أصيب بذلك البعض. قال ابن الحاج: (المراوح في المساجد بدعة، وفرش البسط والسجادات قبل مجئ أصحابها من البدع المحدثة وينبغي لإمام المسجد أن ينهى الناس عن ذلك. وأثمان أثوابهم القميص من الخمس إلى العشر...).
ـ وقعنا في ذات المشكلة: ولكن للأسف ابتلينا بما حذرت منه الآية القرآنية، حيث استغرقنا في بعض الأمور بما يتجاوز الحد، ثم تحولت بعض الأمور إلى شكليات فارغة من الروح. (مثال: ما يحدث في المقابر عندنا تحت عنوان عموم استحباب زيارة القبور وإكرام الميت والتثويب له، وكذلك بعض التفاصيل أثناء إحياء المجالس الحسينية ومجالس ذكر أهل البيت) ولذا لابد من الأخذ بعين الاعتبار عدة أمور:
1ـ عدم الاصطدام مع محرمات. (مثال: تطبير الأطفال حيث فيه عنوانان: إضرار وتشويه المذهب).
2ـ عدم الاصطدام مع مكروهات. (تجديد القبر بعد اندراسه).
3ـ أن لا يخالف حكم العقل بوجود أولويات. (افتراش القبر بآلاف الدنانير مع وجود بدائل تفيد الميت).
4ـ أن لا نعطيها أبعاداً قدسية لا أساس لها. (مثال: الخبز الذي يعطي مراد، نعم قد يكون العاملون في سبيل الله لتجهيز الطعام في أثناء عملهم المخلص يدعون).
5ـ أن لا ترتبط بها مفاهيم خاطئة وأساطير. (الخضر// الأقفال على الأضرحة// الثلج على القبر// ماء الورد).
6ـ أن لا تتحول إلى شعائر منصوص عليها بذاتها مما يحوّلها إلى بدعة، وإلا فالأولى تركها. (مثال: سفرة أم البنين وختمة الأنعام).
ـ لابد من الانتباه إلى وجود من يقتات من وراء ذلك، فيسوّلون إلى الناس ممن ليست لهم معرفة بتفاصيل هذه الأمور شرعية هذه الأمور وفائدتها.
ـ لذا نوصي الجميع بالانتباه في التوسع في الممارسات العامة والأخذ بعين الاعتبار التفاصيل السابقة.