البرنامج الأمثل لإدارة الدولة وقيادة المجتمع (30) - حسين بركة الشامي

قال أمير المؤمنين عليه السلام: (وَإِنَّ أَفْضَلَ قُرَّةِ عَيْنِ الْوُلاَةِ اسْتِقَامَةُ الْعَدْلِ فِي الْبِلاَدِ، وَظُهُورُ مَوَدَّةِ الرَّعِيَّةِ، وَإِنَّهُ لاَ تَظْهَرُ مَوَدَّتُهُمْ إِلاَّ بَسَلاَمَةِ صُدُورِهِمْ، وَلاَ تَصِحُّ نَصِيحَتُهُمْ إِلاّ بِحِيطَتِهِمْ عَلَى وُلاَةِ أُمُورِهِمْ، وَقِلَّةِ اسْتِثْقَالِ دُوَلِهِمْ، وَتَرْكِ اسْتِبْطَاءِ انْقِطَاعِ مُدَّتِهِمْ).
قرة العين كناية عن الرضا والاطمئنان والسعادة للحاكم بسبب قيام العدل في البلاد، وسيادة القانون في حياة المواطنين، ومحبة الرعية له، ورضاهم عن شخصيته وعن حكومته العادلة التي تسعى لتطبيق القانون على الجميع بالحق والعدل والمساواة. وإن هذه المحبة والرضا ليسا شيئاً مفتعلاً أو شكلياً، وإنما هما حقيقة تنبع من القلوب، وتتفاعل معها النفوس بمشاعر التقدير والاحترام والطاعة بين الحاكم العادل وبين جماهيره التي تؤمن وتدافع عنه. وتتعمق هذه الحقيقة في قلوب المواطنين إذا تجاوزت الأمة مرحلة الحب والمودة إلى مرحلة التفاعل والانسجام والنصح والتسديد، والنقد البناء لأجهزة الحكومة ومؤسساتها الإدارية والخدمية وهذا لا يتم إلا من خلال وعي الأمة ومعرفة المجتمع بسياسة الدولة وبرامجها وإحاطتهم بشؤون الحاكم وظروفه واستيعابهم للتحديات والمشكلات التي تواجه الحكومة في الداخل والخارج. وعند هذه المرحلة من الوعي والمعرفة والتفاعل بين الحاكم والمواطنين فإن الأمة لا تشعر بثقل التكاليف وأعباء المسؤولية الملقاة على عاتقها من قبل الدولة، وحينئذ لا تتمنى زوالها أو تغييرها بحكومة أخرى، فلا يهمها مواصلة التعب والسير وعدم الراحة لخدمة الحكومة وبناء الدولة، إذا كانت الأمة تتفهم الواقع، وتعي المشكلات والتعقيدات السياسية والاجتماعية والأمنية.