آية وفكرة - بين إسماعيل وإسحق


قال تعالى: {وَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}
البقرة:132. ربما يتساءل البعض عن حجم التكرار العدديّ في ذكر إسحاق ويعقوب بما يفوق ذكر إسماعيل، مما يوحي بالقيمة الفضلى لهما في موقعهما النبويّ. وقد يجاب عن ذلك، بأنّ:
-1 المسألة لا تأخذ هذا البعد القيمي، بل إنّ القضية تتمثل في المناسبات المتعدّدة التي تفرض هذا الذكر العددي، تماماً كما هي قضيّة الحديث عن موسى وهارون وبني إسرائيل، لأنّ الأحداث المتعلّقة بحركيّتهم في أوضاعهم الخاصة والعامة تفرض ذلك.
-2 بني إسرائيل، وهم أبناء يعقوب، كانوا الشّغل الشّاغل للحديث القرآنيّ في سلبيّاتهم وإيجابيّاتهم، كما أنّ الله جعل منهم الأنبياء، الذين اختلف موقفهم منهم، بين الاستجابة لهم في موقع، وقتلهم واضطهادهم في موقع، بما لم يحصل لذرّية إسماعيل في الذرّية الرسالية، فيما عدا انتساب النبيّ محمّد صلى الله عليه وآله وسلم وقومه إليه.
-3 القصة التي حدثت لإسماعيل في إسلامه لله، وإطاعته له بالإسلام الكلّيّ الخالص الذي لا مثيل له، عندما عرض عليه أبوه إبراهيم أن يقدّم نفسه للذّبح، فأسلم لله أمْره من دون تأمّلٍ أو تفكيرٍ أو اعتراض؛ إنّ هذه القصّة لم تحصل لأخيه إسحاق ولا لابن أخيه يعقوب، ما يجعل عظمة القيمة في النّوعيّة في المضمون الروحيّ، لا في كميّة الذكر، مع التّقدير الرساليّ لهم، لأنهم كانوا جميعاً في مواقع الرّسالة والدّعوة إلى توحيد الله في العبادة والطّاعة والعقيدة. وهذا ما جمعه أولاد يعقوب في استجابتهم لأبيهم عن المعبود الذي يلتزمون عبادته من بعده، {إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} البقرة:133.