لماذا خلق الله النار؟ - الشيخ حسين الخشن ـ بتصرف


يتساءل البعض: لماذا خلق الله النار؟ وهل تستدعي إساءة العبد كل هذا الجحيم أو الشقاء الأبدي في نارٍ (لو أن مثل خرق الإبرة خرج منها على أهل الأرض لاحترقوا عن آخرهم، ولو أن رجلاً أُدخل جهنم ثم أخرج منها لمات أهل الأرض جميعاً حين ينظرون إليه لما يرون به...) كما جاء في كتاب الدروع الواقية لابن طاووس؟ ثم كيف نفهم الخلود في النار ونحن نعرف أن مقتضى العدل أن يكون مستوى العقاب متلائماً مع مستوى الذنب؟

النار ليست للتشفي:

بصرف النظر عن الاختلاف في أنها مخلوقة الآن أو أنها ستخلق لاحقاً، لا بدّ أن نفترض أن خلق النار لم يكن عبثاً ولا بداعي الانتقام من العباد أو التشفي منهم، فالله سبحانه وتعالى غني عن خلقه لا تضره معصية من عصاه ولا جحود من جحد به، تماماً كما لا تنفعه طاعة من أطاعه ولا إيمان من آمن به، قال تعالى: {ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم وكان الله شاكراً عليماً} النساء:147. إن الانتقام أو التشفي هو من خصال الضعفاء وفعال الظالمين، وقد تنزه الله عن ذلك. وأما ما ورد في الكتاب من نسبة الانتقام إلى الله كما في قوله تعالى: {فأنتقمنا منهم فأغرقناهم في اليمّ} الأعراف:137، فلا يراد به المعنى الشائع للانتقام الذي يختزن معنى شفاء الغيظ أو التشفي أو التنفيس عن الأحقاد، فإن هذا مما لا يليق بالكريم من بني الإنسان فكيف بالله الكامل الغني المطلق ذي الرحمة الشاملة؟ وإنما المراد بالانتقام في تلك الآيات معنى المجازاة وعقوبة المسيئين على ما ارتكبوه من إساءة.

على طريق التكامل:

والذي نعتقده أن الهدف من خلق النار لا يمكن فهمه إلاّ في إطار فهم الهدف العام من خلق الإنسان نفسه، ومن المعلوم أن الخلق ـ في منطق القرآن ـ ليس عبثياً ولا جزافاً، والغاية التي لا بدّ أن نفترضها للخلق لا يمكن أن يعود نفعها إلى الخالق نفسه، لأن معنى ذلك أنه ناقص ويحاول إكمال نقصه وضعفه بما يصنع أو يخلق، فلا بدّ أن يكون هدفه من وراء الخلق عائداً إلى المخلوقين أنفسهم، وعلى رأسهم الإنسان، والهدف المعقول على هذا الصعيد هو الارتقاء بالإنسان والسير به في خط التكامل للوصول إلى الدرجات العليا على المستوى الروحي والمعنوي والمادي، خاصة عندما نفهم العبادة في قوله سبحانه: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} بمعناها الواسع والشامل لكل الأنشطة الإنسانية الهادفة إلى تحقيق العدل وخدمة عيال الله. في هذا السياق يكون وجود النار والجنة باعتبارهما تجسيداً لمبدأ الثواب والعقاب وتحقيقاً لمنطق العدل والإنصاف ضرورياً في حكم العقل والعقلاء.
إنّ النار ليست هدفاً أصيلاً للخالق أو مطلوباً في ذاته، وإنما الذي أملى وجودها: أنها تلعب دوراً مساهماً في تحقيق هدف الخلق المشار إليه، فإنّ الإنسان بحسب خصائصه التكوينية يتأثر كثيراً بمبدأ الثواب والعقاب وينعكس ذلك على سلوكه إلى حد كبير. كما أن النار هي التجسيد الطبيعي لمبدأ العدل، هذا العدل الذي يحتم ضرورة التفريق بن المحسن والمسيء في الجزاء، ولاسيما أننا نلاحظ أن الكثير من الناس يفلتون من المحاكمة العادلة في الدنيا، بل ربما يُحَاكم المظلوم ويُعفى عن الظالم، ما يحتم وجود محكمة عدل إلهية لا يضيع فيها حق مظلوم ولا يفلت من عقابها ظالم.