الفجور في الخصومة ـ 3 - الشيخ علي حسن

كنت قد استعرضت في الأسبوع الماضي موقف الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام من الفجور في الخصومة السياسية، ووعدت أن أتمم الحديث بتطبيق ما ورد آنفاً على ما يجري في الساحة السياسية في الكويت.
مشاهد من الواقع:
لا يخفى على المتابع أن مشاهد الفجور في الخصومة السياسية عندنا عديدة، ويمكن استعراض صور منها كما يلي:
-1 إطلاق الاتهامات الكاذبة والتي تفتقد إلى الدليل والحجة في حق الأفراد والجهات العامة، لمجرد الخصومة.
-2 التشهير بأخطاء الآخرين بعيداً عن روح المسؤولية وحساب المصالح والمفاسد.
-3 التمادي في أسلوب السخرية والتطاول غير المبرر لتسقيط الشخصيات العامة واعتماد ذلك كأسلوب مبرمج.
-4 عدم التورع في نقل الكلام مبتوراً تارة، أو بلا بيان ظروف صدوره، تصيّداً وإمعاناً في تضليل الرأي العام.
-5 إفشاء أسرار المجالس الخاصة التي تنعقد في أيام الوئام، وذلك بعد وقوع الخصومة والافتراق.
-6 الإغماض عن محاسن الخصم وإنجازاته، والتركيز على بعض هفواته، أو نسبة أخطاء الآخرين إليه، مع التغاضي عما هو أقبح إن كان صادراً من الغير، كما قال الشاعر:
عين الرضا عن كل عيب كليلة
ولكن عين السُّخط تُبدي المساوئَ

انعكاسات للصورة:

وللأسف فإن هذه الممارسات ـ وعوامل أخرى ـ أدت إلى إحداث تغيّر عميق في الذوق العام للمجتمع، فصار الناس يحتشدون بالآلاف لحضور ندوات الإثارة الفارغة عن المضمون والمليئة بالصراخ والاستهزاء وكلمات التحدي واستعراض القوة بعيداً عن روح المسؤولية، ويعزفون ـ إلا النزر اليسير منهم ـ عن تلك التي تقدم الفكر الرزين والطرح الموضوعي الهادف.
ألا يلاحظ المتابعون الكم الكبير من قضايا القذف والسب المرفوعة في المحاكم ـ وبشكل غير مسبوق ـ من قبل كبار السياسيين ورجالات الدولة والإعلام والشخصيات العامة؟ أليس هذا دليلاً على تفشي صور الفجور في الخصومة؟
ألا تلاحظون كيف فضّلت بعض الكفاءات الوطنية العزوف عن المشاركة السياسية وهي تتلمس هذا الانحدار في لغة الخطاب وأساليب العمل السياسي؟
ألا تلاحظون كيف تشاغلت الحكومة والمجلسان ـ الأمة والبلدي ـ عن القضايا الحقيقية والتحديات الكبيرة التي يعيشها البلد، في الخارج والداخل، ليكون همُّ أحدهم إعداد مذكرة استجواب حتى قبل أن يُنتخَب، وهمّ الآخر إعداد مادة الدفاع عن منجزات أو أخطاء من سبقه ممن اعتلوا هذا المنصب أو ذاك؟
ألا تلاحظون كيف أصبحنا ندور في دوامة من الفوضى السياسية العارمة، فلا قانون يُحتَرم، ولا قرار حاسم يُـتخَذ، ولا مشكلة حساسة تعالَج.

نتائج حتمية:

كل ما سبق وغيره لن يكون نتاجه إلا التردي على كافة المستويات، والكفر بكل ما يمت إلى الحرية والحقوق السياسية والمشاركة الشعبية التي كفلها الدستور للمواطن، وفتح المجال على مصراعيه لكل من يريد أن يعبث بأمن هذا الوطن ومكتسباته في الداخل والخارج.

أساليب المعالجة:

ومن هنا كانت المعالجة ضرورة حتمية من خلال:
-1 ترسيخ المفاهيم والقيم المضادة للفجور في الخصومة إعلامياً وتربوياً.
-2 الاعتماد على المعايير العقلانية والشرعية في التقييم من قبيل قول أمير المؤمنين علي عليه السلام: (اعرف الحق تعرف أهله)، سواء أكان تقييماً للأفراد أو الأحداث أو ما يُنقَل عبر وسائل الإعلام والاتصال.
-3 العمل على الارتقاء في مستوى خطاب ممثلي الأمة، وإلا فمن الضروري أن يُعمل على تفعيل القوانين الخاصة بتجريم القذف والسب ولو من قبل ممثلي الأمة، الذين يتخلصون من تبعاتها من خلال التستر بالحصانة النيابية، أو بإقرار لجنة القيم في المجلس للحد من ظاهرة التعدي اللفظي والفعلي على الآخرين.