خطبة الجمعة 6 صفر 1444: الشيخ علي حسن : الخطبة الثانية: إحباط الشباب

- في القرآن الكريم حديث بالجانب السلبي عن الأمل، قال تعالى: (رُّبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ، ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) [الحجر:2-3].
- فهل الأمل أمرٌ سلبي؟ وهل التعاليم الإسلامية ضدّ أن يعيش الإنسان الأمل في نفسه؟
- التأمّل في الآية يرشدنا أنها بصدد نقد الكافرين بلحاظ أنْ لا غايةَ لهم في الحياة إلا الأكل والتمتع بملذّات الدنيا المادية، والتلهّي بالآمال والأماني الدنيوية فحسب، وهو ما عُبِّر عنه في بعض الأحاديث بعنوان (طول الأمل)، ولا يخفى أن هذا الأمر مرفوض في التعاليم الإسلامية.
- أما عندما يكون الأمل في هذه الحياة متوازناً مع متطلبات البُعد العقلي والروحي في الإنسان، وكذلك ما تتطلبه الحياة الآخرة من إعداد واستعداد، فإنه يكون حالة إيجابية، بل ومطلوبة، وهي من الفطرة السليمة، وقد روي عن النبي الأكرم (ص) قوله: (الأمل رحمة لأمتي، ولولا الأمل
ما رضعت والدة ولدها، ولا غرس غارس شجرة).
- وعن علي(ع): (اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً).
- بوجود الأمل عند الإنسان تستمر الحياة، وتعمر الأرض، وتتقدم البشرية، وتَنبني حضارات، ويتحقق الإبداع... فالإنسان بلا أمل إنسان شبه ميت، لا يتوقع منه الكثير.
- لاحظوا الإنسان المصاب بالاكتئاب المرضي، أو المصاب بمتلازمة انعدام الحافز، وهما حالتان مرضيّتان يفقد فيهما الإنسانُ الحافزَ للعطاء والفاعلية والإنتاجية والتفاعل الاجتماعي... هكذا يكون الأمر عند فقدان الأمل نتيجة الإحباط، حيث تضعف الروحية الإنتاجية عند الإنسان، ويقل تفاعلُه الإيجابي، وتتلاشى إبداعاته.
- وإذا كان ضحية الإحباط في أي مجتمع هم الشباب، فإن النتيجة ستكون كارثية.
- فعندما يأتي الإحباط، فكل ما يأتي محتمل:
1. التطرف الفكري والسلوكي، باللجوء إلى الإيديولوجيات المتطرّفة دينية كانت أو غير دينية، وتبنّيها.. أو اللجوء إلى السلوكيات الغرائزية المتطرّفة كتعبير عن التمرّد على الواقع الذي يعيشه.
2. العدوانية، نتيجة الشعور بالغضب على المجتمع وأوضاعه، وقد شهدنا خلال الأشهر الماضية عند الشباب تكراراً لحالات من العدوان على الغير، ولأتفه الأسباب، وقد يكون الإحباط إحدى العوامل المسببة لذلك.
3. الإدمان على الكحوليّات أو المخدِّرات، كوسيلة لنسيان الواقع المؤلم، والانتقال إلى عالم الأحلام والآمال الزائفة.
4. الانغماس في الأنشطة غير المثمرة أو حتى المضرّة بدلاً من العمل على تحقيق الغايات في هذه الحياة، والإعداد للحياة الآخرة. ومن أمثلة ذلك: الإقبال المفرط على ألعاب الفيديو، والتسكع.
5. الركون إلى الكسل والإهمال وكثرة النوم والتواكل على الغير وقلة الإنتاجية.
- وما سبق يبيّن الطبيعة الكارثية لنتائج إحباط الشباب إذا ساد ذلك في أي مجتمع.
- لا أدري ما نسبة تفشّي الإحباط لدى شبابنا في الكويت، ولكنّها نسبة ملحوظة، وكثير من الأسباب غير خافية عليكم، ولكن من اللافت أنه في سنة 1999 قامت إدارة البحوث والدراسات في مجلس الأمة الكويتي بدراسة حول مشكلات الشباب الكويتي، جاء فيها أن المشكلة الأولى من مجموع المشكلات الاجتماعية التي بدى فيها القلق لدى الشباب هي (انتشار الواسطة)!
- وأعقب ذلك في الترتيب، الانتظار الطويل للحصول على الرعاية السكنية، ثم ارتفاع حوادث السيارات، وغيرهما من العناوين.. وهذا يعني أن الفساد الإداري والسياسي على رأس القائمة.
- وكما تتحمّل الجهات الرسمية مسئولية الإحباط عند الشباب، فإن الأسرة والمؤسسات الدينية والإعلامية وغيرها تشاركها في ذلك.
- أُسرياً: مَن لم يعش معاناة الحصول على ما يريد، ولم يواجه التحديات في حياته، بسبب الترف، والدلال، فإن هذا سيكون من نتاج التربية الخاطئة التي قد تؤدّي إلى سرعة الإحباط.
- عن الباقر (ع): (شرّ الآباء من دعاه البِرّ إلى الإفراط) أي المبالغة في الحب، وتلبية طلبات الأبناء، والدلال إلى المستوى الذي قد يؤدّي إلى سوء التربية.
- وهكذا فإنّ من شأن التلقين، وتكرار ذكر السلبيات وتضخيمها، أن يعمل على ترسيخ الإحباط، فقد لا تكون الأمور بذلك السوء، إلا أن تكرار الأب مثلاً لحالة الإحباط التي يعيشها أمام أبنائه، يجعلهم يعيشون هذا الهاجس قبل الوقوع فيه، ولربما لا يقعون فيه، ولكن بمجرد مواجهتهم لأية سلبية لاحقاً، فإن الصورة النمطية التي رسموها في مخيلتهم ستتداعى، مما قد يؤدي إلى تضخيم الوضع، ومن ثم الشعور بالإحباط.. وقد تعمل وسائل الإعلام على مثل ذلك.
- وإذا صدر عن بعض الأفراد، أو بعض المؤسسات التي تُعقَد عليها الآمال في الإصلاح، كعلماء الدين، والشخصيات السياسية النزيهة، والأحزاب الإسلامية، والجهات الرقابية، من السلبيات والمخالفات ما لم يكن متوقعاً، وتكرّر منها ذلك، فإن الإحباط -عادةً- يفرض نفسه.
- وهذه رسالة إلى كل المرشّحين للانتخابات القادمة، فإنّ أضرارَ عدم التزامِهم بأيّة وعود يُطلقونها ضمن حملاتِهم الانتخابية، ثم لا يفون بها، أو أيةَ ممارسةٍ للفساد -من قبيل الارتشاء- يُفتَضحون بها بعد نجاحهم في الانتخابات، فإن آثارَها السلبية لا تقف عند حدّ تشويه صورة النائب كفرد، بل تتعدّى ذلك لتضيف مفردةً جديدة من مسبّبات الإحباط وتدمير آمال شباب الوطن، وما يستتبع ذلك من آثار سلبية على أكثر من صعيد.
- وخلاصة القول، إنّ الحديث عن الإحباط، وبالتالي عن فقدان الأمل في الحياة، حديثٌ عن مستقبل وطن، لأن الأوطان تُبنى بسواعد أبنائها، فإذا تعاضدت الأسرة والمؤسسات الإعلامية والدينية والسياسية والرسمية على ترسيخ حالة الإحباط في نفوس الشباب، وقتل الأمل لديهم، كلٌّ بحسبه، فإنّ هذا يعني تعاضد هذه الأطراف على إدخال الوطن في نفق مظلم لا يُعرَف آخرُه، وإلى أي مستقبل يقود. فلنتحمّل مسئولياتِنا كما ينبغي قبل فوات الأوان.