خطبة الجمعة 6 صفر 1444: الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: شهادة الزور

- الصفة التاسعة لعباد الرحمن: (وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ) [الفرقان:72].
- لغوياً، لكلمة (زور) أصل واحد يدلّ على (العدول، مع تسوية الظاهر) أي يتم تزيين الظاهر والسعي لإظهاره بصورة تكون على خلاف الباطن والحقيقة.
- من هنا، نفهم معنى التزوير، إذ يمثّل الميل والعدول عمّا هو حقيقي، وإظهار خلاف حقيقة الأمر، مع بذل الجهد في تمرير هذا الخداع.
- وكذلك نفهم معنى قوله تعالى: (وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ) [الكهف:17] أي تميل الشمس عن الكهف وتنحرف، فلا تسطع عليه بصورة مباشرة ومستقيمة.
- والزُّور أخصُّ من الكذب، لأنه الكذب الّذى قد سُوّي وحُسّن في الظاهر ليُحسَب أنّه صدق.
- واحتمل بعض المفسّرين احتمالين من المراد من الآية، الأوّل أن عباد الرحمن لا يشهدون
شهادة الزور، بل هم ملتزمون بقول الحقيقة كما هي، أو كما يعرفونها.
- وقد أكّد القرآن الكريم على ضرورة الالتزام بذلك ولو مسّ الأمر أقربَ الناس إلينا، وأحبَّهم إلى نفوسِنا، لأن المسألة تمسّ العدل، وحقوق الناس، وحياة المجتمع: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً) [النساء:135].
- وقد روي عن النبي (ص) في عقوبة شاهد الزور الأخروية أنه قال: (لا تَزولُ قدَما شاهِدِ الزُّورِ حتى تَجِبَ له النارُ)، أي أنَّ عذابَه في النار حتمي... هذا في الآخرة، وأما في الدنيا، فقد روي في عقوبته كما روي عن سماعة، عن أبي عبد الله (ع) أنه قال: (شهود الزور يُجلدون جلداً ليس له وقت، وذلك إلى الإمام) أي الحاكم (ويُطاف بهم حتى يُعرَفوا) ويفتضَح
أمرهم أما الناس (فلا يعودوا).
- أما المعنى الثاني أنهم لا يشهدون مجالس الزور، أي لا يحضرون مجالس الباطل، كمجالس الغناء المحرّم، والغيبة، والوقيعة بين الناس، والطعن في الدين، كما جاء في قوله تعالى: (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) [الأنعام:68].
- وسواء أ كان المراد هو المعنى الأول أم الثاني، فإنّ عباد الرحمن يسعون للحفاظ على استقامتهم في الحياة، على مستوى القول والفعل، فلا يميلون عن مواطن الحق والحقيقة متى ما عرفوها، سواء على المستوى الدّيني، أو الاجتماعي، أو السياسي، أو غيرها من مجالات الحياة، لأنهم يبتغون العدل، ويخافون العدوان على حقوق الآخرين.