خطبة الجمعة 28 محرم 1444: الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: هل يحلّ لكم قتلي؟

- الصفات السادسة إلى الثامنة لعباد الرحمن: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ يَلْقَ أَثَاماً، يُضَاعَفْ لَهُ ٱلْعَذَابُ يَوْمَ ٱلْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً، إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) [الفرقان-68-70].
- ويلاحظ عليها ما يلي:
1. أنها صفات تنزيه بعد أن جاءت الآيات السابقة بخمس صفات إيجابية يتحلّون بها.
2. السياق الطبيعي يَفتَرض أنّ من يصلي الليل ويمشي على الأرض هوناً وغير ذلك من الصفات التي أثبتتها الآيات، قد تخلّى عن الشرك والقتل والزنا، ولذا لا حاجة إلى ذكرها، أو أن تُذكر في البداية.
3. أن الصفات الثلاث، الشرك والقتل والزنا، جاءت متلازمة في سياق واحد.
- ولذا يبدو أنها جاءت هنا للتعريض بما كان عليه أعداؤهم من قريش وغيرهم من المشركين من صفات عُرفوا بها، وهي: الشرك – قتل النفس المحرّمة – الزنا، ولتنزّه عباد الرحمن عنها، لتقول أنّ عباد الرحمن لا يُشبهون المشركين في الصفات العامة التي عُرفوا بها.
- وهذه العناوين، أعني الشرك والزنا وقتل النفس المحرّمة، من العناوين الواضحة في الكبائر، وقد قال تعالى بشأن واحدة منها، وهي قتْل المؤمن عَمداً: (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) [النساء:93].
- ولخطورة العاقبة، حذّر من مغبّة التسرّع في اتخاذ القرار، وعدم الاعتماد على بيّنة، ووجود شبهة في البين، والركون إلى تسويلات النفس بوضع التبريرات الواهية طمعاً في شيء من حطام الدنيا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا...) [النساء:94].
- إلا أن القوم في كربلاء لم يراعوا شيئاً من ذلك، وأباحوا لأنفسهم قتلَ الحسين (ع) والثلة المؤمنة من أهل بيته وأنصاره، بعد أن أقام لهم الإمام (ع) الحجج تلو الحجج، وتمّم ذلك قائلاً: (ثُمَّ ارْجِعُوا إِلَى أَنْفُسِكُمْ وَعَاتِبُوهَا فَانْظُرُوا هَلْ يَصْلُحُ لَكُمْ قَتْلِي وَانْتِهَاكُ حُرْمَتِي؟ ... أَ مَا فِي هَذَا حَاجِزٌ لَكُمْ‏ عَنْ سَفْكِ دَمِي"؟!).
- وهو ما دفع بالإمام السجّاد (ع) أن يقول مخاطباً أهل الكوفة: (.. أَنَا ابْنُ الْمَذْبُوحِ بِشَطِّ الْفُرَاتِ مِنْ غَيْرِ ذَحْلٍ وَلا تِرَاتٍ. أَنَا ابْنُ مَنِ انْتُهِكَ حَرِيمُهُ، وَسُلِبَ نَعِيمُهُ، وَانْتُهِبَ مَالُهُ، وَسُبِيَ عِيَالُهُ. أَنَا ابْنُ مَنْ قُتِلَ صَبْراً وَكَفَى بِذَلِكَ فَخْراً. أَيُّهَا النَّاسُ! نَاشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ! هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ كَتَبْتُمْ إِلَى أَبِي وَخَدَعْتُمُوهُ؟ وَأَعْطَيْتُمُوهُ مِنْ أَنْفُسِكُمْ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ وَالْبَيْعَةَ، وَقَاتَلْتُمُوهُ وَخَذَلْتُمُوهُ؟ فَتَبّاً لِمَا قَدَّمْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ، وَسَوْأَةً لِرَأْيِكُمْ. بِأَيَّةِ عَيْنٍ تَنْظُرُونَ إِلَى رَسُولِ اللهِ [ص] إِذْ يَقُولُ لَكُمْ: قَتَلْتُمْ عِتْرَتِي، وَانْتَهَكْتُمْ حُرْمَتِي، فَلَسْتُمْ مِنْ أُمَّتِي)؟! إنا لله وإنا إليه راجعون، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.