ابحث عن مشكلة ولدك.. فيك - السيد جعفر فضل الله

يلفتني قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} الأحقاف: 15، وتحديداً قوله تعالى: {وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ}؛ إذ يوحي ذلك للإنسان أنّ صلاح ذرّيّته إنّما يتحرّك في خطّ صلاح النفس؛ وهذا يمثّل السيرورة الطبيعيّة، وأشبه ما يكون بالسنّة الإلهيّة فيما يرثّه كلّ جيل ممّن قبله.
فهل يتوقّعنّ من يمارس التدخين بين أولاده أن لا يحفّز ذلك أولاده، أو واحداً منهم على الأقلّ، أن يُصبح من عداد المدخّنين ولو في السرّ، أو عندما تساعده الظروف الأخرى على ذلك؟! وهل يتوقّعنّ من يحبّ المال حتّى العظم، ولا يدقّق في حلّه وحرامه، ألا يؤثّر ذلك في أولاده؟! حتى يُصبح أولاده كالزجاج الرقيق، تكسره أدنى صدمةٍ من الصدمات الكثيرة التي يُصدم بها الإنسان في المجتمع.. ولعمري، هذه هي الحقيقة التي يغفل عنها الآباء والأمهات عندما يُرزقون بأولاد، وكأنهم يريدون من المجتمع أن يكون ريحاً تجري بأمرهم تجاه أولادهم، فتنحرف عنهم حتى لا تخدش شيئاً من زجاجهم الرقيق، ولا تكسر شيئاً من نفسيّاتهم التي كان الآباء سبباً في ضعف مناعتها تجاه صدمات المجتمع..
عندما ينعدم الجوّ العاطفي بين الأب والأمّ، فمن السذاجة أن نجد في أولادنا شبعاً عاطفيّاً من جهتهما، بل نتوقّع ـ ببداهة حركة قوانين التعويض الاجتماعيّة ـ أن يجده في أحضان الرذيلة أو المخدّرات أو السكر، أو يعبّر عنه عنفاً اجتماعيّاً كما ينفّس الأطفال بأغراض البيت أو غير ذلك عندما يشعرون بحرمان الوالدين في شيء.. ولكن المجتمع يتقبل من الصغير ما لا يتقبله من الكبير في ذلك.
وعندما لا نحترم الناس أمام أولادنا، أو نتناولهم بالغيبة أو بالبهتان، فهل يتوقّع عاقل أن يحترم أولادنا من نتناولهم بالسوء في جلساتنا أو سهراتنا العائليّة؟! في الحديث عن الأولاد: (إذا وعدتموهم شيئاً ففوا لهم؛ فإنهم لا يدرون إلا أنّكم ترزقونهم)؛ فإنّ التعليل واضح أنّ الأولاد مشدودون إلى آبائهم كما ينشدّ المربوب إلى ربّه.. ليس في رزق المال فحسب؛ وإنّما في رزق الأخلاق والأدب والسلوك.
هذا الأمر يحتّم على الإنسان عندما يرى في أولاده سلوكاً منحرفاً، أو خُلُقاً سيّئاً، أن يفتّش أوّلاً في سلوك نفسه وأخلاقه قبل أن يبحث فيمن حوله وما حوله؛ ولكنّنا كثيراً ما نرى الإنسان يُلقي باللائمة على الآخرين، ويجعل أسباب المشكلة لديه لدى فلان أو فلان من الناس؛ لأنّ الإنسان مفطور على إخفاء عيوبه وعدم الاعتراف بها؛ فيكون كمن أضاع البوصلة في إصلاح ولده، فحاول إصلاح غير السبب وهو في الحقيقة يزيد ولده عقداً من حيث يشعر أو لا يشعر.. عصمنا الله من الزلل وعليه الاتكال وهو من وراء القصد.