البرنامج الأمثل لإدارة الدولة وقيادة المجتمع (28) - السيد حسين الشامي

قال أمير المؤمنين عليه السلام: «ثُمَّ تَفَقَّدْ مِنْ أُمُورِهِمْ مَا يَتَفَقَّدُهُ الْوَالِدَانِ مِنْ وَلَدِهِمَا، وَلاَ يَتَفَاقَمَنَّ فِي نَفْسِكَ شَيْءٌ قَوَّيْتَهُمْ بِهِ، وَلاَ تَحْقِرَنَّ لُطْفاً تَعَاهَدْتَهُمْ بِهِ وَإِنْ قَلَّ، فَإِنَّهُ دَاعِيَةٌ لَهُمْ إِلَى بَذْلِ النَّصِيحَةِ لَكَ، وَحُسْنِ الظَّنِّ بِكَ. وَلاَ تَدَعْ تَفَقُّدَ لَطيِفِ أُمُورِهِمُ اتِّكَالاً عَلَى جَسِيمِهَا، فَإِنَّ لِلْيَسِيرِ مِنْ لُطْفِكَ مَوْضِعاً يَنْتَفِعُونَ بِهِ، وَلِلْجَسِيمِ مَوْقِعاً لاَ يَسْتَغْنُونَ عَنْهُ».
وفي هذا النص أيضاّ يواصل الإمام أمير المؤمنين اهتمامه بالجنود، وهم القوة العسكرية والأمنية التي تحفظ البلاد من كيد الأعداء، ويؤكد على ضرورة رعايتها، وعدم إهمال قضاياها ومشاكلها النفسية والاجتماعية والاقتصادية، لأن العناية والاهتمام بأوضاع وشؤون هذه القوة الفاعلة يعني إشعارها بأن الدولة هي المؤسسة الأم، التي تحتضن وجودها وتحنو عليها ولا تبخس دورها، وتضمن حقوقها الطبيعية والقانونية، وهذا يعني دفع هذه القوة إلى مزيد من العمل والتفاني والإخلاص لحفظ الأمن وحماية الوطن والمواطنين.
ومن هذا المنطلق ينبغي على الحاكم أن يتفقد أمور الجيش والجنود تفقد الوالدين لأبنائهما، وهذا التعبير منه عليه السلام في غاية الشفقة ومنتهى الرحمة، فليس بعد الوالدين من هو أرأف وأرحم بالأولاد منهما. كما ينبغي على المسؤول ألا يغفل عن مسألة كتب الشكر والتقدير والتكريم، وأن لا يعدَّ شيئاً من هداياه أو عطاياه أمراً كبيراً يذكرّهم به دائماً، أو يتبجح به عليهم، أو يشعرهم بالمن والتفضل. وعليه ألا يتجاهل الأمور البسيطة والهدايا الصغيرة اعتماداً على ما قدمه لهم من هدايا كبيرة. فإن الالتفاتات اليسيرة، والهدايا الصغيرة لها موقع خاص في النفوس، وهي تعبير عن مدى اهتمام القائد بجنده، والأب بأولاده.
فإن هذه اللفتات الحانية، وإن كانت تبدو أنها ليست لها قيمة مادية، إلا أن من شأنها أن تعمق العلاقة الروحية والمعنوية وتدعو إلى تقديم النصيحة من الجنود لقائدهم بكل أريحية وشفافية، بعيداً عن التكلف والطرق الرسمية المعقدة، فالقائد مسؤول عن الجيش من الناحية القانونية، ولكنه والد للجنود من الناحية الاجتماعية، وصديق حميم لهم من الناحية العاطفية والنفسية. فلا بد للقائد من الرعاية التامة لجنوده، وتفقدهم في حاجاتهم الكبيرة والصغيرة على حد سواء، وهذا التفقد والعناية أدعى لدوام الطاعة، وأدوم لبقاء المودة والمحبة بين الجند وقائدهم.