خطبة الجمعة 14 محرم 1444: الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: إن عذابها كان غراما

- قال تعالى: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا، إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا) [الفرقان:65-66].
- الصفة الرابعة من صفات عباد الرحمن: شدة مخافتهم تبعات الذنوب والحساب في الآخرة، وما ورد في الدعاء كما حكته الآية لا يراد منه خصوص الدعاء.. بل الدعاء انعكاس لهذه الحالة.
- والمراد بصرف العذاب أن ينجيهم الله منه، ويجنبهم ذلك، من خلال التوفيق للعمل الصالح، ولاجتناب الذنوب، وللإقبال الدائم على الاستغفار والتوبة، وقبول التوبة منهم.
- وشدة مخافتهم ناشئة – كما ذكرت الآية – نتيجة معرفتهم:
1. (إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا)، والغرام هو الهلاك المُلِحّ الدائِم، والشرّ المستمر.
2. (إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا) أي ساءت موضعاً لمن يستقر فيها بدون إقامة دائمة إذ يغادرها
بعد ذلك، ولمن يقيم فيها إقامة دائمة وخالدة. نستجير بالله من ذلك كله.
- من هنا نجد أن الإمام زين العابدين (ع) كان يدعو بعد الفراغ من صلاة اللّيل بما يشتمل على وصف أليم عذاب النار وبشاعته كما في الصحيفة السجادية: (اللَهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مَنْ نَار تَغَلَّظْتَ بِهَا عَلَى مَنْ عَصَاكَ، وَتَوَعَّدْتَ بِهَا مَنْ صَدَفَ عَنْ رِضَاكَ، وَمِنْ نَارٍ نورُهَا ظُلْمَة، وَهَيِّنُهَا أَلِيمٌ، وَبَعِيدُهَا قَرِيبٌ، وَمِنْ نَار يَأْكُلُ بَعْضَهَا بَعْضٌ، وَيَصُولُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْض، وَمِنْ نَارٍ تَذَرُ الْعِظَامَ رَمِيماً، وَتَسْقِي أَهْلَهَا حَمِيماً...) إلخ ما جاء في الدعاء من الوصف الفظيع للنار وآلامها.
- ولذا من الطبيعي أنّ من يؤمن بذلك يكرر التعوذ بالله من النار ويدعو الله دائماً أن ينجيه منها.
- ولكن للخلاص من النار ثمن، وللجنة ثمن، فلا ينبغي أن يكتفي الإنسان بالإلحاح على الله بأن يُدخله الجنة، وأن يستنقذه من النار... الأهم: أن يرى ماذا قدّم لذلك؟ وما هو مستعد أن يقدّمه في هذا الطريق.
- في الخبر عن الإمام الرضا (ع) أنه قال: (... ومن سأل الله الجنة ولم يصبر على الشدائد
فقد استهزأ بنفسه) هذا ثمن يجب أن يدفعه من يريد الجنة: [أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ] [البقرة:214]... ثم يقول الإمام: (ومن تعوّذ بالله من النار ولم يترك شهوات الدنيا فقد استهزأ بنفسه) فمن يسأل الله النجاة من النار، فثمن ذلك ألّا يسترسل مع رغباته وشهواته، فمنها ما هو محرّم، وعلى المحرّم عقوبة... ومنها ما هو استغراق على حساب الآخرة، مما يجعل ميزان عمله خفيفاً، وخفّة الميزان في الآخرة تعرّض الإنسان إلى العقاب: (فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ، فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ، وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ، فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ، نَارٌ حَامِيَةٌ) [القارعة:6-11].
- وخلاصة القول أنّ من يستعيذ بالله من النار عليه أن يعمل من أجل أن يحصل على هذه النتيجة في الآخرة، وإلا فمجرد الدعاء لا يكفي.