إعادة تشكيل العقل : ليالي عاشوراء 1444 - المجلس السابع

لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ 164
آل عمران
تحقُّق الإيمان بصورته المتكاملة، والاستقامة في المنهج الإلهي، والالتزام بشريعة الله، كل ذلك قائم على العلم من جهة، وعلى تزكية النفس من جهة أخرى.
عندما يتلقى الإنسان آيات كتاب الله، فهذا من العلم... وعندما يتعلم أحكام الله وتشريعاتِه (الكتاب)، وغايات تلك التشريعات وكيفية إدارة الحياة بصورة أفضل (الحكمة) فهذا من العلم أيضاً.
أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَخۡرَجۡنَا بِهِۦ ثَمَرَٰتٖ مُّخۡتَلِفًا أَلۡوَٰنُهَاۚ وَمِنَ ٱلۡجِبَالِ جُدَدُۢ بِيضٞ وَحُمۡرٞ مُّخۡتَلِفٌ أَلۡوَٰنُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٞ 27
وَمِنَ ٱلنَّاسِ وَٱلدَّوَآبِّ وَٱلۡأَنۡعَٰمِ مُخۡتَلِفٌ أَلۡوَٰنُهُۥ كَذَٰلِكَۗ إِنَّمَا يَخۡشَى ٱللَّهَ مِنۡ عِبَادِهِ ٱلۡعُلَمَـٰٓؤُاْۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ 28
سُورَةُ فَاطِرٍ
سواء كنا نتحدث عن العلوم المرتبطة بالدين ، أو العلوم الطبيعية
تحقيق الخشية من الله، وبالتالي تحقيق التقوى التي هي ضابطة مهمة لسلوك الإنسان في مسار طاعة الله والالتزام بالشريعة والاستقامة على المنهج الإلهي القرآن يؤكد على عنصر العلم والمعرفة، كسبيلٍ من سبل الوصول إلى الالتزام العملي في خط الخشية لله، ليعرّفنا بأن العبادة مع المعرفة، تمثل القيمة الروحية الكبيرة عند الله، فلا ترقى إليه العبادة بدون المعرفة، حتى لو زادت درجة الكمّ في هذا الجانب، لأن الأساس هو الكيف والنوع، وهو ما يشكل عمق العبادة، بما تعيشه النفس من عمق الخوف من الله، والحب له.
وهكذا لا ينفكّ الارتباط بالإسلام، إلا بمزيد من الارتباط بالعلم النافع الذي يقرّب الإنسان إلى الله أكثر، والذي يحقق للإنسان حياةً أفضل، والذي يأخذ بيد الإنسان نحو الاستعداد للحياة الآخرة التي تمثّل الحياة الحقيقية بشكل أكبر.
ونحن اليوم في ورطة حقيقية من هذه الناحية، على الرغم من أن البشرية حققت في السنوات الأخيرة في مجال توفير المعلومة ما لم تحققه من قبل مطلقاً
إذا كنا نتحدث عن الكتاب، فاليوم باتت مئات الآلاف من الكتب متوفرة بين أيدينا من خلال
الكمبيوتر والإنترنت والهاتف المحمول والأجهزة اللوحية المختلفة، وكثير من هذه الكتب مجانية أو بأسعار زهيدة جداً.
وإذا كانت السلطات الرقابية في الدول تبذل في الماضي كلَّ جهدِها لتمنع هذا الكتاب أو ذاك، لسبب أو لآخر، وتنجح في ذلك إلى حد بعيد، فإن هذا الأمر أصبح اليوم من الماضي، وإن بقيت هذه اللجان موجودة وعاملة، ولكنها في الواقع العملي لا تستطيع أن تمنع الكتاب إلا بمقدار بسيط وذلك بلحاظ توفر النسخ الإلكترونية للكتب، وسهولة السفر والشحن والنقل وما إلى ذلك.
وإذا كنا نتحدث عن الخطب والمحاضرات والدروس، فإن الوسائل الحديثة يسّرت عبورها كل الحواجز وعلى الهواء مباشرة عبر آلاف الكيلومترات، مع إمكانية تفاعل الحضور أينما كانوا!
هذا فضلاً عن التنوع الكبير في وسائل وأدوات تقديم الكتاب والمحاضرة والمعلومة.
ومع هذا كله، فنحن فعلاً في ورطة حقيقية وخطيرة ستترك آثارها بشكل واضح مستقبلاً ولربما
تتفاقم أكثر... الورطة هي عدم تمكّن الفرد من تلقّي العلم بشكل حقيقي وبنّاء!
قبل ثلاث سنوات تقريباً، عندما أنتجت مادة إعلامية لمدة تجاوزت الثلاث دقائق بقليل، طلب مني أحد الإخوة الإعلاميين أن أختصرها ولا أتجاوز -بحسب خبرته- الدقيقتين ونصف الدقيقة كحد أقصى، وإلا تململ المشاهد من تلك المادة وحُكم على التجربة بالفشل وإن كانت مُنتَجة بشكل مميز.
وقبل يومين يخبرني أحد المهتمين بتقديم المواد الإعلامية أن الدقيقتين ونصف الدقيقة باتت اليوم طويلة جداً، والمطلوب أن لا تتجاوز المادة الإعلامية الممنتجة الدقيقة أو الدقيقة ونصف الدقيقة كحد أقصى، ولو كانت في حدود 45 ثانية فهو أفضل!
بالطبع، البعض يقولون بأن العلم والمعرفة لا يتحققان بكثرة الكلام، بل يمكن تحقيقهما ببضع كلمات، ولكن الواقع أن مُخرَجات الدقائق والثواني المعدودة لن تحقق في الأعم الأغلب علماً حقيقياً وبنّاءً.. وهنا الورطة.
في 2010 صدر كتاب (السطحيون: ما يفعله الإنترنت بأدمغتنا)
لاقى الكتاب شهرة واسعة في وقته، ووصل إلى المرحلة النهائية في ترشيحات جائزة البوليتزر العالمية للكتب غير الروائية.
فكرة الكتاب جاءت من مقالة له ظهر عنوانها على غلاف مجلة أتلانتيك الشهرية كالتالي:Is Google making us stupid? (هل يحوّلنا قوقل إلى أغبياء؟)، يتساءل فيها الكاتب:
بينما نستمتع بخيرات الإنترنت، هل نضحّي بقدرتنا على القراءة والتفكير بعمق؟
- يقول الكاتب أن الفكر البشري تم تشكيله عبر القرون من خلال ما أسماها (أدوات العقل
وأن الاكتشافات الحديثة في علم الأعصاب والأدلة التاريخية والعلمية أيضاً كلها تبيّن أن أدمغتنا تتغيّر استجابةً لتجاربنا
وأن التقنيات التي نستخدمها للعثور على المعلومات وتخزينها ومشاركتها بإمكانها إعادة توجيه المسارات العصبية في أدمغتنا.
فالدماغ البشري يمتاز بما يُطلق عليه (الليونة العصبية)
والذي يعني أن الوصلات الدِّماغية لديها القدرة على إعادة التشكّل حسب الاستعمال والإهمال.
ويستنتج الكاتب أن كل تقنية معلومات تحمل معها (أخلاقياتِها وقيمِها).. أي أسلوبها الخاص المتعلّق بطبيعة تشكيل المعرفة والذكاء عند الفرد...
... فالكتاب المطبوع عمل على تركيز انتباهنا، وتعزيز الفكر العميق والإبداعي،
بينما الإنترنت على النقيض من ذلك تماماً، إذ أنه يشجّع الأخذ السريع والمشتت لأجزاء صغيرة من المعلومات ومن مصادر عديدة.
في الدماغ يوجد نظام المكافأة.
فأنت عندما تقوم بسلوك معين تحبه، يقوم هذا النظام بمكافأتك بتفعيل الدوائر العصبية المرتبطة بالشعور بالمتعة ، وبذلك يحفّزك على أن تقوم به مرة آخرى.
إذا شعرنا بالمتعة مع مادة أو نشاط ، فإن الذاكرة التي تم تشكيلها تعني أننا نتوقع أن تكون ممتعة مرة أخرى.
بعد تلبية ذلك عدة مرات، يعتاد الدماغ على المحفِّز، لذلك يحتاج إلى المزيد أو إلى ما هو أكثر لذة.
وهذا سبب الإدمان على المخدرات أو المواد الإباحية وغيرهما .
حين يأتيك إشعار (رنة) على هاتفك الشخصي، فأنت لا تعلم ما سببها: هل أرسل لك أحدهم رسالة؟
هل هو ذلك الرد الذي تنتظره على تعليقك؟
هل قامت قناتك المفضلة برفع فيديو جديد؟
هل يوجد جديد في عالم الأخبار أو تويتر أو فيسبوك؟
أنت تتعرض لنظامٍ مُتغير وغير ثابت من التشجيع على تصفح الانترنت، وأنت دائماً في انتظار ما هو جديد.
مثل (تأثير الإدمان هذا قد يشبه تأثير الكوكائين!)
بيئة الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي لا تحفّز التركيز العميق، بل تشجع وتكافئ التفكير السطحي والتركيز الوجيز المشتت على مهماتٍ كثيرة.
بسبب كمية المعلومات الجديدة (منشورات فيسبوك، تغريدات تويتر، صور، أو رسائل واتساب مثلًا) المَهولة التي نتعرض لها على الدوام بشكلٍ متتابع، فإنّنا بلا وعي نفضّل الحصول على أكبر قدر من هذه المستجدات على حساب التّركيز المطوّل مع معلومة واحدة.
فكّر ملياً في عدد المنشورات والتغريدات والرسائل والصور التي وصلتك اليوم فقط، وكم من الوقت أمضيت مع كلٍ منها.
بإمكانك أن تتصفح الانترنت إلى أبد الآبدين وفي كل لحظة ستجد شيئًا جديدًا
(هل فتحت اليوتيوب مرة لمشاهدة فيديو ما ثم انتهى بك الحال بعد ساعتين لمشاهدة مقاطع عن القطط الأليفة مثلًا؟)،
أخلاقيات الإنترنت هي أخلاقيات الإنسان الصناعي والذي تتمثّل قيمه في: السرعة، الكفاءة، تحقيق الإنتاج والاستهلاك الأمثل.. وهي تعيد تشكيلنا الآن على هذا الأساس.
لقد أصبحنا أكثر مهارة في مسح وتتبع المعلوماتScanning والقراءة السريعة، لكن ما نخسره هو قدرتنا على التركيز والتأمل والتفكير.
إننا لا نصبح متشتّتين فقط بسبب الإنترنت، لكن الفكرة أن الإنترنت يضعنا كبشر في فضاء من التشتت.
وجود السطحيين في كل مجتمع أمرٌ قديم، ولكن الإنترنت طوّر في شكل هذه الظاهرة ، ووسّع مدياتها .
بأنَّها تصبح أكثر سطحية وابتذالًا بل إننا نفقد بالفعل جزءًا كامنًا من ذواتنا كبشر بسبب قصور الانترنت عن القيام مكان التواصل الواقعي
واصفًا إياها (كم مرة واجهت منشور نعي لأحد معارفك، وعوضًا عن الاكتفاء بـ”لايك” قمت فعلًا بالتَّواصل معه واقعيًا أو حتى بالدُّعاء له خارج الفيسبوك؟).
في تطبيقات الشات والدردشة أنت لا ترى ملامح الشخص الآخر، ولا نبرة صوته ولا حركات جسمه،
وعلى الدوام أنت مُحاطٌ بصور أصدقائك وهم مبتهجون ومسرورون .
لا أحد ينشر لحظات فشله على صفحته الشخصية، ولن يصور أحدهم نفسه وهو جالسٌ في بيته وحيداً لينشرها على مواقعُ التَّواصل الاجتماعي.
كما يمكّننا الانترنت من تقمص أي شخصية نريدها، وعرض الجوانب التي نحب فقط من حياتنا،
ما يخلق بيئةً مُخادعة في الواقع الافتراضي والتي بدورها تؤثر سلبًا على مشاعرنا ونفسياتنا.
يعترف كار أنَّه انعزل 7 أشهر لينهي كتابه
ما الحل إذاً لتفادي هذه الأضرار؟
أهمّ خطوة هي صناعة (القابلية للقراءة)، فالقراءة عادة مثل أي عادة أخرى: تقوى بالممارسة وتضمُر بالإهمال.
يمكنك البدء بقراءة روايات تحبها مثلًا، وتجبر نفسك على الجلوس لـ10 دقائق كبداية، وبعد ذلك تزيد الوقت إلى 20 دقيقة، فنصف ساعة وهكذا.
لا أحد يُنكر المزايا الكثيرة التي تحققت من خلال الإنترنت، ولكن المسألة لا تتعلق فقط بالمزايا مقابل العيوب،
بل تتعلق بضرورة الالتفات إلى ما يمكن أن نخسره بشكل كبير على المستوى الفكري والعلمي والقدرات الذهنية عندما نسمح للتكنولوجيا بأن تُعيد تشكيل أدمغتنا،
لاسيما ذلك العلم النافع الذي يقرّب الإنسان إلى الله أكثر، والذي يحقق للإنسان حياةً أفضل،
والذي يأخذ بيد الإنسان نحو الاستعداد للحياة الآخرة التي تمثّل الحياة الحقيقية بشكل أكبر...
وهذه هي الورطة الكبيرة التي تحتاج إلى وقفة تأمّل جادّة للبحث عن أدوات لمقاومة هذا الانفعال الاستسلامي دون أن نخسر إيجابيات الإنترنت الحتمية.
وهكذا فإن مجالس الحسين (ع) لاسيما في العشرة أيام الأولى من شهر محرم لطالما كانت مجالس علم تساهم في تعميق المعرفة،
منذ أن نهض مجموعة من الخطباء الرساليين قبل أكثر من قرن من الزمان لتطوير المنبر الحسيني بإخراجه من إطار عرض المقتل وما يتعلق به بشكل مباشر فحسب،
إلى رحاب أوسع تُطرق من خلاله أبواب المعرفة الدينية والأخلاقية والدينية والعلوم الطبيعية بما يخدم إحدى الأهداف الرئيسة من جمع محبّي سيد الشهداء تحت منبره المبارك،
ومن مسئوليتنا أن نحافظ على هذا المكتسب المهم، ونفوّت الفرصة على الساعين نحو تسطيح المنبر، أو حصره في أطروحات تقليدية تحافظ على
شيء من الموروث التاريخي، ولكنها تضيّع فرصة كبيرة لتقديم الأهم مما يلامس حاجات الناس الفكرية والروحية والسلوكية والمعرفية.
إن هذه المعارف من بركات مجالس الحسين... وقد تعلمنا في مدرسة الحسين (ع) أن لا شيء مهم يتحقّق من دون تضحية..
وإذا كان استعدادنا للسعي للمحافظة على المكتسبات العلمية والمعرفية للمنبر الحسيني قد يستوجب شيئاً من التضحية، فهذا يعني أننا نحوّل
ما تعلّمناه إلى واقع نعيشه، وأننا لا نرفع قضية الحسين شعاراً فحسب، بل نجعلها حركةً فاعلةً في حياتنا، تماماً كما كان الأمر بالنسبة إلى أبي الفضل العباس.
روى الطبري عن الضحاك بن عبد الله المشرقي قال: (قدمت ومالك بن النضر الأرحبي على الحسين فسلمنا عليه ثم جلسنا إليه، فردّ علينا ورحّب بنا وسألنا عما جئنا له.
فقلنا جئنا لنسلم عليك وندعو الله لك بالعافية ونُحدثَ بك عهداً، ونخبرك خبر الناس. وإنّا نحدّثك أنهم قد جمعوا على حربك، فرَ رأيك!
فقال الحسين (ع): حسبي الله ونعم الوكيل. قال فتذمّمنا، وسلمنا عليه، ودعونا الله له. قال: فما يمنعكما من نصرتي؟ فقال مالك بن النضر: عليّ دَين، ولي عيال. فقلت له: إن عليّ
دَيناً، وإنّ لي لعيالاً، ولكنك إن جعلتني في حِل من الانصراف إذا لم أجد مقاتلاً قاتلت عنك ما كان لك نافعاً، وعنك دافعاً. قال: قال: فأنت في حِل. فأقمتُ معه، فلما كان الليل
قال هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا ثم ليأخذ كل رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي، ثم تفرقوا في سوادكم ومدائنكم حتى يفرج الله، فإن القوم إنما يطلبوني، ولو قد
أصابوني لهوا عن طلب غيري. فقال له إخوته وأبناؤه وبنو أخيه وابنا عبد الله ابن جعفر: لم نفعل؟ لنبقى بعدك؟ لا أرانا الله ذلك أبداً. بدأهم بهذا القول العباس ابن علي).
ثم الموقف الخالد في يوم العاشر حيث تذكر المصادر ومن بينها الأخبار الطوال للدينوري أنه لما استشهد من استشهد ولم يبق مع الحسين (ع) إلا القليل، ورأى ذلك
(العباس بن علي، قال لإخوته عبدالله وجعفر وعثمان بني علي عليه وعليهم السلام –وأمهم جميعاً أم البنين العامرية من آل الوحيد: تقدموا، بنفسي أنتم، فحاموا عن سيدكم حتى تموتوا دونه.
فتقدموا جميعاً، فصاروا أمام الحسين عليه السلام، يقونه بوجوههم ونحورهم. فحمل هانئ بن ثويب الحضرمي على عبد الله بن علي، فقتله. ثم حمل على أخيه جعفر بن علي، فقتله أيضاً.
ورمى يزيد الأصبحي عثمان بن علي بسهم، فقتله، ثم خرج إليه، فاحتز رأسه، فأتى عمر بن سعد، فقال له: أثبني. فقال عمر: عليك بأميرك - يعني عبيد الله بن زياد - فسله أن يثيبك.
وبقي العباس بن علي قائماً أمام الحسين يقاتل دونه، ويميل معه حيث مال، حتى قتل، رحمة الله عليه).
وفي رواية الإرشاد للشيخ المفيد أنه:
(وحملت الجماعة على الحسين عليه السلام فغلبوه على عسكره، واشتد به العطش، فركب المسناة يريد الفرات وبين يديه العباس أخوه، فاعترضته خيل ابن سعد وفيهم رجل من بني دارم فقال لهم:
ويلكم حولوا بينه وبين الفرات ولا تمكنوه من الماء، فقال الحسين عليه السلام: اللهم أظمئه. فغضب الدارمي ورماه بسهم فأثبته في حنكه، فانتزع الحسين عليه السلام السهم وبسط يده تحت حنكه فامتلأت راحتاه بالدم،
فرمى به ثم قال: اللهم إني أشكو إليك ما يفعل بابن بنت نبيك. ثم رجع إلى مكانه وقد اشتد به العطش. وأحاط القوم بالعباس فاقتطعوه عنه، فجعل يقاتلهم وحده حتى قتل -رضوان الله عليه -
وكان المتولي لقتله زيد بن ورقاء الحنفي وحكيم بن الطفيل السنبسي بعد أن أثخن بالجراح فلم يستطع حراكاً).
وفي كتاب (شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار) لقاضي الإسماعيلية أبوحنيفة النعمان بن محمد التميمي المغربي أنه
ذهب إلى الفرات ليملأ القربة ماء (ويأتي بها الحسين عليه السلام وأصحابه فيسقيهم، حتى تكاثروا عليهن وأوهنته الجراح من النبل، فقتلوه كذلك بين الفرات والسُّرادق
وهو يحمل الماء، وثَمَّ قبرُه رحمه الله، وقطعوا يديه ورجليه حنقاً عليه، ولِما أبلى فيهم وقتل منهم، فلذلك سُمِّيَ السقَّاء).
وفي رواية المناقب لابن شهراشوب أنه (مضى بطلب الماء فحملوا عليه وحمَل هو عليهم، وجعل يقول:
لا أرهب الموت إذ الموتُ رقَى
حتى أواري في المصاليتِ لِقا
نفسي لنفس المصطفى الطُّهرِ وَقا
إني أنا العباس أغدو بالسِّقا
ولا أخاف الشرَّ يومَ الملتقى
ففرّقهم، فكمن له زيد بن ورقاء الجهني من وراء نخلة، وعاونه حكيم بن طفيل السنبسي فضربه على يمينه فأخذ السيف بشماله، وحمل عليهم وهو يرتجز:
والله إن قطعتم يميني
إني أحامي أبداً عن ديني
وعن إمام صادق اليقين
نجل النبي الطاهر الأمين
فقاتل حتى ضعف، فكمن له الحكم بن الطفيل الطائي من وراء نخلة فضربه على شماله فقال:
يا نفس لا تخشي من الكفار
وأبشري برحمة الجبار
مع النبي السيد المختار
قد قطعوا ببغيهم يساري
فاصلهم يا رب حر النار
فقتله الملعون بعمود من حديد).