خطبة الجمعة 7 محرم 1444: الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: يبيتون سجدا وقياما

- قال تعالى في الصفة الثالثة لعباد الرحمن: (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا) [الفرقان:64].
- للعبادة في الليل بعد أن يخلد الناس للنوم والراحة بعد عناء النهار قيمة خاصة وعالية عند الله سبحانه، حيث تكرر ذكر ذلك في القرآن الكريم ومن ذلك قوله سبحانه: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ، فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [السجدة:16-17]. ومن يرد هذا العطاء الإلهي المميّز عليه أن يسعى إليه، ومن ذلك أن يسعى لقيام الليل، لا لهواً وعبثاً، بل كما جاء في الآية الشريفة.
- وقد التزم النبي (ص) بذلك -ومعه نفرٌ ممن آمن برسالته- عندما جاء الخطاب الإلهي: (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ، قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً، نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً، أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً، إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلا ثَقِيلاً، إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْءًا وَأَقْوَمُ قِيلاً) [المزمل:1-6].
- وقوله تعالى: (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا)[الإسراء:79].
- ولهذه النافلة آثار دنيوية كما أن لها آثاراً أخروية، ومن بينها ما جاء في قول الصادق (ع) في قول الله عزّ وجلّ: (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَات)، قال: (صلاة المؤمن بالليل تُذهب بما عَمِل من ذنبٍ بالنهار) وهذا ليس تشجيعاً على ارتكاب الذنوب في النهار، لأن من يصلّي الليل لأجل أن يذنب في النهار فلن يكون صادقاً في عبادة الليل واستغفاره، بل المراد أنه لو صدر عنه شيء من الذنوب غفلة أو في لحظة ضعف، فإن صلاة الليل تعين على غفران ذنوبه.
- نعم، الأمر ليس بيسير أن تترك لذيذ نومك، وفراشك الدافئ، ولكن لكل شيء ثمن.
- وهذا ما أدركه المؤمنون المخلصون من أصحاب رسول الله (ص)، والذين قال بشأنهم علي (ع) كما في نهج البلاغة: (قد رأيت أصحاب محمد [ص]، فما أرى أحداً يشبههم، لقد كانوا يصبحون شعثاً غبراً، وقد باتوا سُجَّداً وقياماً، يراوحون بين جباههم وخدودهم، ويقفون على مثل الجمر من ذِكر مَعادِهم، كأنّ بين أعينهم رُكَبَ المِعزى مِن طول سجودهم، إذا ذُكر الله هَمَلت أعينُهم حتى
تَبلّ جيوبُهم، ومادوا كما يميد الشجر يوم الريح العاصف خوفاً من العقاب ورجاء الثواب).
- وهذا كان حال الحسين وأنصاره ليلة العاشر من المحرم. روى السيد ابن طاوس: (وَبات الحسين [ع] وأصحابُه - ليلةَ عاشوراء - وَلهم دويٌّ كَدويِّ النحلِ، مَا بَينَ راكع وساجد، وقائم وقاعد).
- وفيهم قال العلامة السيد محسن الأمين:
باتَ الحسينُ وصَحبُه مِنْ حولهِ وَلَهم دويُّ النحل لمّا باتــوا
مِن رُكّعٍ وَسطَ الظلامِ وسُجّـدٍ للهِ مِنهم تَكثـرُ الدعـــواتُ
وتراءت الحورُ الحسانُ وزُيِّنَت لقدومِهم بنعيمِهـا الجنّــاتُ
وَبدا الصباحُ وَلم تنمْ عينٌ لَهمْ كلاّ ، وَلا نَابتْهُمُ غَفــواتُ
- السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين.