جون مولى أبي ذر : ليالي عاشوراء 1444 - المجلس السادس

يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ 13
سورة الحجرات
الآية تتضمن ركيزة من ركائز الحياة، من حيث رسم معالم القاعدة الأساس للتعامل بين الناس من وجهة نظر الإسلام.
وأكد النبي هذه القاعدة بقوله
لا فضل لعربي على عجمي ، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود ، ولا لأسود على أحمر، إلا بالتقوى، إن أكرمكم عند الله أتقاكم.
النبي الأكرم (ص)
من الأهداف الكبرى للتنوع البشري: تبادل المنافع.
لتستمر الحياة من خلال ذلك،
فلو كان الناس كلهم في مستوى عقلي وبدني واقتصادي وذوقي واحد ومتشابه
، لما وجدنا من يشغل الكثير من الوظائف التي نحتاج إليها... وهذا واضح.
الناس سواسية كأسنان المشط.
النبي الأكرم (ص)
نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا 32
سورة الزخرف
أي لأوظفك في ما أحتاج إليه ولتوظفني فيما تحتاج إليه
بل حتى على مستوى تنوّع الإنتاج باختلاف القوميات،
فهذا المجتمع زراعي، وذاك صناعي، وهذا تجاري... إلخ،
وهذا المجتمع معروف بزراعة القمح،
وذاك بزراعة الأرز، والثالث بزراعة
الحمضيات... إلخ.
لِإِيلافِ قُرَيْشٍ1 إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ2 فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ3 الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ4
سورة قريش
وكلنا يعرف طريق الحرير الممتد لآلاف الكيلومترات منذ آلاف السنين، وما زال هذا الطريق قائماً ولكن بصورته الحديثة
والتنوع في لون بشرة الإنسان يعود لحاجته للتكيف مع كمية الأشعة فوق البنفسجية في بيئته
وما فكرة التفاضل بين الناس على أساس لون البشرة إلا خرافة ظالمة وعنصرية
من خلال هذه النظرة للكرامة الإنسانية، برزت شخصية بلال بن رباح الحبشي
كأحد الأوائل الذين آمنوا برسالة النبي (ص)
وقاسوا الشدائد جراء ذلك نتيجة استضعافهم في مكة،
دون أن يتزعزع موقفهم أو يتخلّوا عن إيمانهم،
فنال الاحترام والتقدير بغض النظر عن قوميته ولون بشرته.
قيل في ترجمته: (بلال الحبشي هو أبو عبد الرحمن، وقيل: أبو عمرو، وقيل: أبو عبد الكريم، بلال بن رباح الحبشي، التيمي بالولاء، أمّه حمامة.
أحد صحابة النبي (ص) الأجلّاء، ومن السابقين إلى الإسلام، محدِّث صادق. كان أبوه من سبي الحبشة، ولد هو في مكّة، وصحب النبي
وصار خادمَه وخازنَه ومؤذّنَه، فكان أوّل من أذّن في الإسلام. كان مولى لأميّة بن خلف، فلما أسلم بلال أخذ أميّة يعذّبه أشدّ العذاب
ليرتدّ عن الإسلام ويقول له: [ربّك اللّات والعزّى]، فكان بلال يجيبه قائلاً: [أحد أحد]. كان أبو جهل يبطحه على وجه الأرض تحت حرارة
الشمس، ويضع الرحاء عليه حتى تُصهرَه الشمس، فيقول له: [اكفر برب محمّد]، فيقول بلال: [أحد أحد]. اشتراه أبو بكر بن أبي قحافة ثم أعتقه.
شهد مع النبي (ص) بدراً وأحداً وبقيّة المشاهد. آخى النبي بينه وبين عبيدة بن الحارث. عن ابن عباس: لما كان يوم فتح مكة،
أمر النبي (ص) بلالاً حتى علا على ظهر الكعبة فأذّن فقال عتَّاب بن أسِيد بن أبي العِيص: [الحمد لله الذي قُبض أبي حتى لا يرى هذا اليوم].
قال الحارث بن هشام: [ما وَجد محمد غير هذا الغراب الأسود مؤذِّناً؟!]. ولم يزل يؤذّن للنبي في سفره وحضره،
فلما قُبض النبي لزم بيته، ثم خرج إلى الشام، ولم يزل بها حتى توفّي بدمشق بمرض الطاعون سنة 20ه عن بضع وستين سنة).
مع اعتلاء بني أمية سدّة الحكم،
عادت النزعة العنصرية بقوة،
وحضرت القومية العربية كعنوان يتمايز به المسلم على المسلم،
والانتماء إلى قريش كعنوان يتعالى به القرشي على مَن سواه،
واشتعل النزاع من جديد بين مضر وربيعة،
وبين العدنانيين والقحطانيين،
إلى غير ذلك من العناوين المفرّقة،
بعد أن عمل الإسلام على إلغائها
فجعل النبي (ص) من بلالٍ أخاً لابن عمه القرشي الشهيد ببدر:
عبيدة بن الحارث بن عبدالمطلب الهاشمي القرشي العدناني!
هذا لا يعني أن الأمويين نجحوا لمحو كل تلك الجهود النبوية
حيث نجد أن
عطاء بن أبي رباح (ت 115 هجرية) كان في الأساس عبداً أسود لامرأة من أهل مكة
ولكنه تعلّم وحقق لنفسه مكانه علمية واجتماعية
حتى أعطي لقب (سيد فقهاء أهل الحجاز).
قال أبو داود: (أبوه نوبي، وكان يعمل المكاتل، وكان عطاء أعور أشل أفطس أعرج أسود، قال: وقُطعَت يدُه مع ابن الزبير) وقيل بل شُلّت.
تعلمّ عطاء حتى صار فقيهاً ومحدِّثاً ومفتيَ الحرم المكي.
يروي الخطيب البغدادي في كتابه (الفقيه والمتفقه)
أن الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك (ت 95للهجرة) جاء إلى عطاء
فأشاح عطاء بوجهه عنهم: (فما زالوا يسألونه عن مناسك الحج وقد حوّل قفاه إليهم، ثم قال سليمان لابنيْه: قُوما! فقاما، فقال: يا بَنيّ، لا تَـنِيَا) لا تُقصِّرا ( في طلب العلم، فإنّي لا أنسى ذلَّنا بين يَدي هذا العبد الأسود).
واستمر الحال بعد الأمويين في الإطار العام، وإن حصل الخراسانيون والترك في بعض الفترات على امتيازات اجتماعية بلحاظ الاستعانة بهم من قبل العباسيين لبسط دولتهم.
ومن الشواهد على ذلك ما جاء في سيرة الإمام محمد الجواد (ع)،
إذ كان يُنظَر إليه نظرة دونية لسمرته الشديدة،
ولم يشفع له أنه ابن الرضا (ع) وأنه من أحفاد رسول الله (ص)!
ولذا نجد أن بعض العباسيين في البلاط وغيرهم ممن لم يحملوا
مشاعر المودة للإمام (ع) كانوا ينعتونه بالأسود؛ لشدة سمرته.
ويبدو أن الاضطهاد الذي واجهه ذوو الأصول الأفريقية وأصحاب البشرات الداكنة في ذلك العصر، أدى بهم إلى إعلان الثورة والتمرد على السلطة الحاكمة.
فقد روى ابن كثير في (البداية والنهاية)
كيف عاث جند العباسيين في المدينة فساداً واستكباراً،
بعد ثورة محمد بن عبدالله الحسني المشهور بذي النفس الزكية مباشرة.
فثار عليهم بحسب تعبيره (طائفة من السودان) وكانوا من الموالي
وهزموا جند العباسيين مرتين
ولما خاف أهل المدينة من تطورات الأحداث، تآمروا مع جند العباسيين ضد الثائرين، وتم اعتقال قادة الحراك وقُطعت أيديهم.
وفي سنة 255هـ ثار في البصرة (الزنج) المجلوبون من شرق أفريقيا،
وقادهم رجل من أهل الري ادّعى أنه (علوي)
ومن ذرية النبي (ص)، فأسسوا فيها حكومة لهم،
وأنهكوا دولة الخلافة العباسية قبل أن تقضي على ثورتهم ودولتهم.
وكان الاضطهاد الذي عانى منه (الزنج) وهم يعملون في الأهوار
والأعمال الشاقة السبب الرئيس في تحمسهم للتمرد والثورة على (أسيادهم)
وعلى الدولة المركزية، لاسيما وأن قائدهم رفع شعار تحرير العبيد.
وقد سيطروا خلال 10 أعوام على رقعة واسعة تمتد بين الأهواز وواسط، وهددوا بغداد.
وإذ عانى ذوو البشرة الداكنة من التمييز في ذلك العصر،
فقد عملت بعض الأقلام الأدبية على الانتصار لهم،
ومن نماذج ذلك رسالة (فخر السودان على البيضان) للجاحظ
الذي كان هو بنفسه ضحية هذا التمييز بلحاظ بشرته الداكنة.
، هذا الإنتاج يشبه ما ظهر في الولايات المتحدة في نهاية الستينات من القرن العشرين بعد التمييز العنصري
والاضطهاد المرير للأمريكيين من ذوي الأصول الأفريقية،
حيث برز أفراد وجماعات منهم ينتصرون لفكرة التميّز العرقي (الأسود) على غيرهم،
بما في ذلك نسبة المسيح (ع) إليهم
• تسليط الضوء على جانب من حياة السود المسلمين.
• إسهاماتهم في الحضارة الإسلامية، بما يستحقون معه التفاخر والشعور بالتفاضل مقارنة بغيرهم.
جاءت رسالته هذه كآخر إنتاج له.
لم تمض ستة أشهر فقط على وفاته حتى اندلعت ثورة الزنج في البصرة (مدينة الجاحظ) !
فهل كان هذا مجرد مصادفة
أم أن الظروف والأوضاع هي التي فرضت عليه كتابة ما كتب
لتتحوّل الرسالة إلى مادة ثقافية ومحرّك إعلامي
شجّع (الزنج) على الانخراط في الثورة في معقل كثرتهم بالجنوب العراقي؟
لاسيما وأن الرسالة جاءت إجابة على طلب شخص مجهول للكتابة عن مفاخر وفضائل السود .
وإذا كانت السياسة والروح العنصرية والمصالح الضيقة قد تحركت في اتجاه مخالف
لما أقرّه الإسلام بادئ ذي بدء، ولما عمل النبي على تأكيده وتحقيقه عملياً في الصدر الأول،
إلا أننا نجد أن الأئمة من أهل بيت النبوة (ع) استمرّوا في ترسيخ وتفعيل القيم والشعارات الإنسانية الداعية للمساواة بين الناس من حيث المبدأ،
ونفي التفاضل فيما بينهم على أساس العرق، أو القومية، أو اللغة، أو لون البشرة، أو النسب، أو القبيلة، أو غير ذلك.
الساعد الأيمن لعلي عند تسلمه الحكم
ونجد أن أم الرضا وأم الجواد وأم العسكري من النوبة،
ومشاركة جون مولى أبي ذر الغفاري في كربلاء.
ذُكر في مصادر عديدة أن من بين شهداء كربلاء (جون/ جون بن حُوَيّ/ جون بن حري/ جوين/ جوين بن أبي مالك/ حُوَيّ) وعنونوه بأنه كان مَولى‌ أبي ذَرٍّ الغفاري.
وجاء ذكره في (معجم أنصار الحسين) للكرباسي تحت عنوان (جَوْن بن حُوَيّ النوبي)،
وأنه ولد 16 قبل الهجرة، واستشهد سنة 61للهجرة، وهذا يعني أنه كان في السابعة والسبعين
عندما شارك تحت راية الحسين (ع) في كربلاء.
ولكن لا يوجد مستند لتحديد تاريخ مولده، بل هو قائم على استنتاج شخصي من قبل المؤلف نفسه.
وإذ قيل أنه كان في الأساس مسيحياً، فقد احتُمل أن اسمه تصحيف لاسم الحواري (يوحنا)، وإن كان الأقرب أن الاسم عربي ويعني (الأسود المشرب بحُمرة).
ذكره الشيخ الطوسي في رجاله ضمن أصحاب الحسين، وعلّق عليه محقق الكتاب (جواد القيومي الأصفهاني) بقوله:
(جون هذا كان عبداً أسود للفضل بن العباس بن عبدالمطلب، اشتراه الإمام علي (ع) منه بمائة وخمسين ديناراً، ووهبه لأبي ذر ليخدمه.
ورجع إلى علي (ع) بعد موت أبي ذر، ثم إنه بقي عند آل علي وخرج معهم إلى كربلاء، وقُتل مع الحسين (ع)).
ولم يذكر المحقق مصدر هذه المعلومات التي أخذها عنه آخرون وسردوها سرد المسلّمات.
أما عن أحداث مشاركته في واقعة الطف فنجد من بينها الروايات التالية:
تاريخ الطبري: (... عن علي بن الحسين بن علي قال: إني جالس في تلك العشية التي قتل أبى صبيحتها وعمتي زينب عندي تمرّضني، إذ اعتزل أبي بأصحابه في خباء له وعنده حوي مولى أبي ذر الغفاري وهو يعالج سيفه ويصلحه، وأبي يقول... ).
مقاتل الطاليين: (... عن علي بن الحسين قال: إني والله لجالس مع أبي في تلك الليلة، وأنا عليل، وهو يعالج سهاماً له، وبين يديه جون مولى أبي ذر الغفاري، إذ ارتجز الحسين...).
الفتوح لابن أعثم : (وخرج من بعده حوي مولى أبي ذر الغفاري وكان أسود فجعل يرتجز ويقول:
كيف ترى الفجار ضرب الأسودِ
بالمشرفي القاطع المهندِ
بالسيف صلتا عن بني محمدِ
أذبّ عنه باللسان واليدِ
أرجو بذاك الفوز يوم الموردِ
من الإله الواحد الموحَّد
إذ لا شفيع عنده كأحمدِ
ثم حمل فلم يزل يقاتل حتى قُتل - رحمه الله -).
اللهوف في قتلى الطفوف: (ثم برز جون مولى أبي ذر، وكان عبداً أسوداً. فقال له الحسين: «أنت في إذنٍ مني، فإنما تبعتنا طلباً للعافية، فلا تبتلِ بطريقنا». فقال : يا ابن رسول الله، أنا في الرخاء ألحس قصاعكم وفي الشدة أخذلكم؟! والله إنّ ريحي لمنتن، وإن حسبي للئيم، ولوني لأسود، فتنفس عليَّ بالجنة، فيطيب ريحي، ويشرف حسبي، ويبيضّ وجهي، لا والله لا أفارقكم حتى يختلط هذا الدم الأسود مع دمائكم. ثم قاتل حتى قُتل، رضوان الله عليه).
مناقب آل أبي طالب: (ثم برز جوين بن أبي مالك مولى أبي ذر مرتجزاً: ... فقَتل خمساً وعشرين رجلاً).
تسلية المجالس للحائري: (فوقف عليه الحسين عليه السلام وقال: اللهم بيض وجهه، وطيِّب ريحَه،
واحشره مع الأبرار، وعرِّف بينه وبين محمد وآل محمد. وروي عن الباقر عليه السلام عن علي بن الحسين عليهما السلام أن الناس كانوا يحضرون المعركة، ويدفنون القتلى، فوجدوا جوناً بعد عشرة أيام يفوح منه رائحة المسك رضوان الله عليه).
ولا نملك نصاً تاريخياً واضحاً حول أصل حضوره في كربلاء، وهل كان باختياره أم كان تابعاً للإمام الحسين نفسه أو لأحد من أهل بيته أو أنصاره، ولكن العاملي في ضياء العالمين يقول: (كان جون مُنضمّاً إلى أهل البيت عليهم السّلام بعد أبي ذرّ رضي الله عنه، فكان مع الحسن بن عليّ عليهما السّلام، ثمّ انضمّ إلى الحسين عليه السّلام وصَحِبَه في سفره إلى مكّة ثمّ إلى العراق).
من الواضح أن النصوص بتقادم الأيام تضخمت من حيث تفاصيل الأحداث والكلمات التي حفّت بها، دون أن يكون لها خلفية تاريخية يمكن الاستناد إليها من حيث الرواية، مما أثار بعض التساؤلات والإشكالات حول مدى مقبولية بعض تلك المضامين التي يُشمّ منها رائحة عنصرية.
وسواء أصحّحنا تلك الإضافات القصصية أم رفضناها إلا أن هذا لا يتعارض مع أصل الحدث في ذاته، ومشاركة هذا البطل في المعركة،
وهو الذي كان يملك خيار الانسحاب منها والحفاظ على سلامته من القتل أو الإصابة، لاسيما وأنه كان عبداً في الأساس،
وفي مثل هذه الحالة -عادةً- لا يتحمّس العبد للموت في معركةٍ تخصّ سيّده، هذا إن صححنا بقاءه عبداً إلى ذلك اليوم.
وأياً كان الأمر، فإن استشهاده رضوان الله عليه في كربلاء يؤكد مرة أخرى على استيعاب نهضة الحسين (ع) لأفرادٍ مثّلوا شرائح متنوّعة بلحاظ الانتماء الاجتماعي والسياسي
وحتى الديني والمذهبي، الأمر الذي يؤكّد عظمة هذه النهضة، وصفاء منطلقاتها.
أرى العمرَ في صرفِ الزّمانِ يَبيدُ
ويذهبُ لكن ما نراهُ يعودُ
فكن رجلاً إن تُنْضَ أثوابُ عيشِهِ
رَثاثاً فثوبُ الفخرِ منهُ جديدُ
وإيّاكَ أن تشري الحياةَ بذِلّةٍ
هي الموتُ والموتُ المريحُ وجودُ
وغيرُ فقيدٍ مَن يموتُ بعزّةٍ
وكلُّ فتىً بالذلِّ عاش فقيدُ
لذاكَ نضى ثوبَ الحياة ابنُ فاطمٍ
وخاضَ عُبابَ الموتِ وهو فريدُ
ولاقى خميساً يملأُ الأرضَ زحفُهُ
بعزمٍ له السبعُ الطّباقُ تَميدُ
وليس له من ناصرٍ غيرُ نيّفٍ
وسبعينَ ليثاً ما هناك مزيدُ
سطت وأنابِيتُ الرّماح كأنّها
أجامٌ وهم تحت الرّماح أسودُ
وما برحوا عن نصرةِ الدّين والهدى
إلى أن تفانى جمعُهُم وأُبيدوا
وفيهم حويُّ الفِدا، والفداءُ عزيزُ
إذ انبرَى ملبّياً والكثيرُ قعودُ
شاهراً سيفَ العِزِّ شهماً يذُبُّ به
يلقىَ الحِمامَ خضيباً وهو سعيدُ