خطبة الجمعة 24 ذوالقعدة 1443: الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: خطوات الشيطان


- (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [النور:21].
- هذه الآية تدق ناقوس الخطر بلحاظين:
1. بيان عِظم خطر اتّباع الشيطان الذي سيقود الإنسان إلى ارتكاب الفحشاء والمنكر.
2. لو سلب الله رحمة الهداية عن الإنسان، أي إنسان، بما في ذلك الذين آمنوا -والخطاب موجه إليهم- فلن يكون المصير سوى الانحراف واتّباع خطوات الشيطان وارتكاب الفحشاء والمنكر: (مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا) لاحظوا التعميم والتأبيد. وهو ما يستدعي السعي الدائم لطلب الهداية منه.
- هذا يعني أن المؤمنين مهدّدون بالانحراف على طول الطريق، والشيطان يستغل لحظات ضعفنا، وعلينا أن نطلب السلامة من الله سبحانه، وأن نكون على حذر دائم من مكر الشيطان.
- وإذا كان القرآن الكريم قد ذكر في موضع آخر (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا) [النساء:76]، فهذا بلحاظ المقابلة والمقارنة مع القوة الإلهية، لا في مقابل قوة الإنسان لو تُرك لوحده.
- من هنا نجد أن الإمام زين العابدين (ع) في دعائه لولده ييبيّن عِظم هذا الخطر، ويسأل الله لنفسه ولذريته السلامة من هذا المكر المتلوّن والمتنوّع: (وَأَعِذْنِي وَذُرِّيَّتِي مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، فَإنَّكَ خَلَقْتَنَا وَأَمَرْتَنَا وَنَهَيْتَنَا وَرَغّبْتَنَا فِي ثَوَابِ ما أَمَرْتَنَا وَرَهَّبْتَنَا عِقَابَهُ، وَجَعَلْتَ لَنَا عَدُوّاً يَكِيدُنَا)
- ثم يبين (ع) إلى أي مدى يمتلك الشيطان القدرة على التأثير بالوسوسة: (سَلَّطْتَهُ مِنَّا عَلَى مَا لَمْ تُسَلِّطْنَا عَلَيْهِ مِنْهُ، أَسْكَنْتَهُ صُدُورَنَا، وَأَجْرَيْتَهُ مَجَارِيَ دِمَائِنَا) هذا التعبير المجازي للدلالة على مدى قدرة الشيطان على أن يوصِل إلينا رسائلَه، لا يحتاج إلى اشتراك إنترنت، ولا تنزيل تطبيق، ولا واي فاي، وكأن مسكنه قلب الإنسان، ويتنقل في الجسد عبر الأوردة والشرايين مع ضخ الدم.
- وهو مترصّد لكل لحظة ضعف، وفي حالة استنفار دائمة، ورادارته تعمل على أعلى مستوى: (لاَ يَغْفُلُ إنْ غَفَلْنَا، وَلاَ يَنْسَى إنْ نَسِينَا).
- وأساليبه متنوّعة: (يُؤْمِنُنَا عِقَابَكَ) باستصغار الذنب، وإمكانية التوبة لاحقاً (وَيَخَوِّفُنَا بِغَيْرِكَ) سابقاً كان يخوّف الناس بغضب الآلهة الوهمية، والآن يخوفنا من غضب سلطان ظالم، أو زعل المعشوقة، أو السحر، أو أن نُتَّهم بالتخلّف والرجعيّة (إنْ هَمَمْنَا بِفَاحِشَة شَجَّعَنَا عَلَيْهَا، وَإنْ هَمَمْنَا بِعَمَل صَالِح ثَبَّطَنَا عَنْهُ، يَتَعَرَّضُ لَنَا بِالشَّهَوَاتِ، وَيَنْصِبُ لَنَا بِالشَّبُهَاتِ).
- وهل يجد الإنسان من وراء اتباعه للشيطان أي خير؟ (إنْ وَعَدَنَا كَذَبَنَا، وَإنْ مَنَّانا أَخْلَفَنَا).
- وهنا يظهر مدى أهمية السعي الدائم للاستعانة بالله سبحانه في مواجهة هذا الخطر: (وَإلاّ تَصْرِفْ عَنَّا كَيْدَهُ يُضِلُّنَا، وَإلاّ تَقِنَا خَبالَهُ يَسْتَزِلُّنَا. اللَّهُمَّ فَاقْهَرْ سُلْطَانَهُ عَنَّا بِسُلْطَانِكَ حَتَّى تَحْبِسَهُ عَنَّا بِكَثْرَةِ الدُّعَاءِ لَكَ، فَنُصْبحَ مِنْ كَيْدِهِ فِي الْمَعْصُومِينَ بِكَ).
- وما نشهده اليوم من مساعٍ لا تهدأ لتزيين الشذوذ وتطبيعِه بذرائع مختلفة، مرّة بحجّةٍ يُدَّعى أنها علميّة متعلّقة بجينات الإنسان، وأخرى بعنوان الدّفاع عن الحريّات، أو المساعي لتسويق تعاطي المواد المخدّرة والخمور تحت عنوان التمدّن، أو الضرورة الاقتصادية، أو الحرية الشخصية، فإنها بأجمعها مِن اتّباع خطوات الشيطان (وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ)، وليس للفحشاء والمنكر من خاتمة للإنسان سوى الضياع في الدنيا، والعقاب الأليم في الآخرة.