حوار حول المرأة مع سماحة الشيخ علي حسن في جريدة الدار

سماحة الشيخ علي حسن مازال في الثراث الاسلامي بعض النصوص التي تطلق فتصف المرأة بأنها ناقصة عقل وحظ وإيمان ونصوص أخرى ظاهرها يقلل من قيمة المرأة كيف يمكن التعامل مع هذه النصوص؟
- لو كنا قد اعتمدنا على القرآن الكريم باعتباره الإطار المرجعي الأول الذي نعتمد عليه في تكوين بنائنا المعرفي، لما واجهنا صعوبة كبيرة في التعامل مع هذه النصوص. وقد أشار العلامة الطبطبائي رحمه الله في تفسير الميزان إلى هذه الحقيقة الغائبة على المستوى المعرفي والإفتائي كما قال. وقد أكد سماحة المرجع السيد محمد حسين فضل الله أيضاً على هذه المسألة وجدّد من خلالها منهج استنباط الأحكام الشرعية. هذا لا يعني بالطبع التقليل من قيمة المصدر الثاني للتشريع (السنة)، ولكن مشكلات النصوص الحديثية كثيرة جداً كالوضع والتحريف والنقصان وانقطاع ارتباطها بسبب الصدور وغير ذلك. وقد أخبرنا النبي (ص) أن الثقل الأكبر هو القرآن، كما وضع الإمام جعفر الصادق (ع) القرآن ميزاناً لتقييم الحديث لا العكس حيث قال: (وكلُّ حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف). ولذا عندما نرجع إلى القرآن الكريم سنجد أنه تحدث عن تجربة بداية الخلق، فأكّد أن الرجل والمرأة عاشا التجربة معاً، ولم يحمّل المرأة مسؤولية الإغواء (فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا) وحمّلهما معاً المسؤولية بعد ذلك (قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) وأما على مستوى القيمة الإيجابية فلم يفرّق بين الرجل والمرأة (إنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّـهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّـهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) وعن العقوبة في الدنيا (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا) واعتبر أن المرأة يمكنها أن تبلغ درجة يجعلها الله من خلالها في موضع القدوة والمثل للرجل (وَضَرَبَ اللَّـهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ). إذاً فمن المفترض وعلى أساس هذه النصوص أن نبني معارفنا حول المرأة، ومن ثم نفهم أو نحاكم الروايات.
• نجد بعض الفتاوى للفقهاء على الصعيد الاجتماعي أو السياسي تحجب بعض الحقوق للمرأة مثال ذلك في قضايا الطلاق والحياة الزوجية والمشاركة في العملية السياسية كما نجد فتاوى أخرى تعطي حقوقا للمرأة لم تعهد بالشارع الاسلامي من قبل مثل رئاسة الجمهورية وولاية الفقيه والافتاء والقضاء في قضايا الأسرة وإمامة الجماعة لماذا هذا التفاوت في الفتاوى مع ان النصوص واحدة وهل هناك اثر على بيئة الفقيه في الافتاء فيما يخص المرأة.
- هناك عدة عوامل توجد هذا التفاوت والاختلاف في الفتاوى، والذي لا يخص قضايا المرأة فقط، وإلا ما معنى الاجتهاد؟ من هذه العوامل مسألة المنهج الذي يعتمده الفقيه، ونظرياته في أصول الفقه وعلم الرجال والحديث وغير ذلك، وهذه كلها مؤثرة في الفتوى. ولكن العامل الذي أشرت إليه في سؤالك، غالباً ما يُتغافل عنه، وهو عامل حاضر وناشئ من الطبيعة الإنسانية للفقيه، فكونه إنساناً وإن كان مجتهداً يفرض تأثره بالتربية والبيئة التي عاش فيها، والتعليم الذي تلقاه والثقافة العامة التي يحيط بها ومستجدات الساحة وعوامل اخرى. ولذا لا نستطيع أن ننكر تأثير هذا العامل، لاسيما في القضايا الفقهية ذات البعد الأخلاقي، ومنها المسائل الشرعية التي تخص المرأة على مستوى مفهوم الستر الشرعي وحدوده، وعلى مستوى علاقاتها بالآخرين، وغير ذلك.
• تعتبر التجربة الغربية لدى الفكر الإسلامي فيما يخص المرأة تجربة استغلالية للمرأة وليست حقوقية باعتقادكم ألا يمكن الاستفادة من التجربة الغربية فيما يخص المرأة وإذا كان يمكن ذلك أي النواحي التي يمكن الاستفادة منها؟
- التجربة الاستغلالية للمرأة في الغرب أمر لا ننكره، ولكن من أهداف بعثة الأنبياء (ع) كما حدثنا القرآن الكريم هو تعليم الناس الحكمة، وقد أكد أمير المؤمنين علي (ع) أن الحكمة ضالة المؤمن، ولو كانت هذه الحكمة عند غير المسلم، ولذا ليس من الصحيح أن نتعامل دائماً بحساسية مفرطة وسلبية تامة مع كل النتاج الغربي، إن كان على الصعيد الحقوقي أو الثقافي أو العلمي أو الإعلامي أو غير ذلك. فإذا كانت هناك جوانب حقوقية معينة تخص المرأة نجح الغرب في هذا الوقت في تطبيقها ومتوافقة مع معاييرنا الإسلامية الشرعية والأخلاقية، فما المانع من الاستفادة منها؟ وأضرب على ذلك المثل التالي: عندما تتعرض المرأة المسلمة إلى ظلم الزوج على مدى قرون من خلال تمرد الزوج نفسه على الأحكام الشرعية والتوصيات الأخلاقية القرآنية والنبوية والتي ترسم طبيعة الحقوق والواجبات والأخلاقيات المتبادلة بين الزوجين، ثم يعطيه المجتمع المسلم الذي عاش التخلف على مدى القرون الأخيرة هذا الحق، وفي المقابل نجد تجربة عملية غربية متوافقة مع الشرع الذي لا يرضى بهذا الظلم، فما المانع من الأخذ بها؟ شريطة أن لا تتحول المسألة إلى تبعية مطلقة للغرب في كل شيء انبهاراً به.
الجمعة, مارس 12, 2010