خطبة الجمعة 17 ذوالقعدة 1443: الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: اجتماع الأسرة في الجنة

- قال تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ) [الطور:21].
- من الفطرة السليمة للإنسان أنه لا يكتفي بتمنّي وطلب الخير لنفسه فقط، ولكنه يريد ذلك لذريته أيضاً... وإذا كان مؤمناً بالحياة الآخرة، فإنه يريد تحقّق ذلك في تلك الدار أيضاً.
- ثم إن من سعادة المرء أن يرى ذريّتَه تحفُّ به، وهي مجتمعة على خير، وفي وئام وتواد، ويتمنّى تحقق ذلك في الحياة الآخرة، ولكن التحدّي هناك أن الحساب والجزاء فردي، والنتائج والمراتب متفاوتة... فما السبيل إلى ذلك؟
- هذه الآية الشريفة جاءت بالبشارة للمؤمنين، إذ تتحدّث عن واحدة من رحمات الله عزوجل الأخروية... فالقاعدة في الحساب الأخروي ما جاء في نهاية الآية: (كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ)، أي أن كل إنسان مسئول عن إيمانه وأعماله، وهو يُحاسَب على أساس ذلك.
- إلا أن الله (تعالى) يمنُّ على ربِّ الأسرةِ المؤمنِ الصالحِ بأنْ يَجمع ذريّتَه المؤمنة به، كنوع من المكافأة، وإن لم يكونوا بنفس المرتبة، وقد روي عن النبي (ص) أنه قال: (إنّ الله يرفع ذرّية المؤمن إليه في درجته، وإن كانوا دونه في العمل، لتَـقُـرّ بهم عينُه) ثم استشهد بالآية الشريفة.
- وهذا الأمر لا يكون على حساب مرتبة الآباء: (وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ).
- وماذا لو كانوا عصاة أو غير مؤمنين، ألا يحاسَبون على ذلك؟ ألا يجرؤهم ذلك على المعصية؟
- أوّلاً: يجب أن نلحظ شرط: (وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ) فليس كل من كان من ذرية المؤمن يلحق به، بل عند توفر هذا الشرط.
- ثانياً: أكّدت الآية على قاعدة: (كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ) لئلا يتجرأ أحد منهم على المعصية.
- ثالثاً: (أَلْحَقْنَا) تصلح للدلالة على الفَور والتأخير، ولذا فإن استحق أحد منهم عقوبة، نالها، ثم يُلحق بأسرته.
- وقد أخذ الإمام زين العابدين (ع) هذه الفكرة القرآنية وصاغها بعبارات روحانية رائعة كما جاء في دعائه لأبويه ضمن الصحيفة السجادية، حيث قال (ع): (اللَّهُمَّ وَإنْ سَبَقَتْ مَغْفِرَتُكَ لَهُمَا، فَشَفِّعْهُمَا فِيَّ، وَإنْ سَبَقَتْ مَغْفِرَتُـكَ لِي، فَشَفِّعْنِي فِيْهِمَا، حَتّى نَجْتَمِعَ بِرَأفَتِكَ فِي دَارِ كَرَامَتِكَ وَمَحَلِّ مَغْفِرَتِكَ وَرَحْمَتِكَ، إنَّكَ ذُوالْفَضْلِ الْعَظِيمِ وَالْمَنِّ الْقَدِيْمِ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ).
- أسأل الله تعالى ذلك لي ولكم إنه مسيع مجيب.