يابيشي - مقال للشيخ علي حسن


يابيشي

يابيشي أو يابيثي.. هذا هو الاسم الأول لمدينة القدس التي أسسها العرب اليبيسيون (بين 5000 - 4200 سنة تقريباً) الذين يعدون من بطون العرب الكنعانيين، وهم أول شعب عرفهم التاريخ في أرض فلسطين، ثم عُرفت المدينة لاحقاً باسم (شاليم) و(أورشاليم).

تضليل إعلامي

هناك تضليل إعلامي يمارس بشكل مستمر بخصوص هوية القدس، وإذا أردنا أن نتحدث عن هوية هذه المدينة من الناحية التاريخية البحتة، وبعيداً عن أية اعتبارات دينية، فالمدينة عربية النشأة بامتياز، ويدل على ذلك:
-1 هي جزء من الأرض التي كان يسكنها العرب وفق الوصف التاريخي لأرض العرب.
-2 الذين أسسوها كانوا من العرب اليبوسيين كما أسلفت، وقد جاء في التوراة الحاضرة ما نصه حول النبي إبراهيم الخليل عليه السلام - جد النبي يعقوب أي إسرائيل عليه السلام - في هجرته التي وقعت وفق ما جاء في كتاب (التفسير التطبيقي للكتاب المقدس لمجموعة من البحاثين ورجال الدين الغربيين) سنة 2091 ق. م. ما نصه: (وقال الرب لإبرام: اترك أَرْضكَ وَعَشِيرَتكَ وَبَيْتَ أَبِيكَ واذهب إِلى الأَرْضِ الَّتِي أُرِيكَ.. فَأَخَذَ أَبْرَامُ سَارَايَ امْرَأَتَهُ، وَلُوطًا ابْنَ أَخِيهِ، وَكُلَّ مُقْتَنَيَاتِهِمَا الَّتِي اقْتَنَيَا، وَالنُّفُوسَ الَّتِي امْتَلَكَا فِي حَارَانَ. وَخَرَجُوا لِيَذْهَبُوا إِلَى أَرْضِ كَنْعَانَ. فَأَتَوْا إِلَى أَرْضِ كَنْعَانَ). وكان يحكمها ملك عربي اسمه أو لقبه (ملكي صادق)، وقد جاء في كتاب (التفسير التطبيقي للكتاب المقدس): (معنى اسمه: ملك العدل وملك السلام.. كان ملكي صادق ملكاً عظيماً لتلك المنطقة). وتتحدث التوراة عن معركة خاضها النبي إبراهيم ضد الملك (كدرلعومر) قرب دمشق، وكان مع الخليل 318 مقاتلاً فانتصر عليه، وحمل إبراهيم الغنائم إلى القدس، وفي النص التوراتي (وكذلك حمل إليه ملكي صادق ملك شاليم الذي كان كاهناً لله تعالى خبزاً... فأعطاه إبرام عُشر الغنائم كلها).

القدس على عهد الكليم

-3 أما على عهد النبي موسى عليه السلام، ومن بعده النبي يوشع عليه السلام فنحن نتحدث عن فترة زمنية أعقبت تلك الحقبة بـ 500 سنة تقريباً. وفي التوراة الحاضرة: (وقال الرب لموسى: اترك هذا المكان أنت والشعب الذي أصعدته من ديار مصر، وامض إلى الأرض التي أقسمتُ لإبراهيم وإسحق ويعقوب قائلاً: سأهبها لنسلك، وسأرسل أمامك ملاكاً، واطرد الكنعانيين والأموريين والحثيين والفرزيين والحوِّيين واليبوسيين). فالقدس إذاً كانت مسكناً لهؤلاء ولم تكن لبني إسرائيل أو اليهود.

الهوية الدينية

وأما إذا أردنا أن نتحدث عن هوية القدس من الناحية الدينية، فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده، والأنبياء وأتباعهم هم خلفاؤه والأحق بها، وفي زمن موسى ويوشع وداود وسليمان عليهم السلام، كانوا هم - وفق المنطق القرآني - الأحق بحكمها، ونحن نقرأ أخبارهم في القرآن حيث قال تعالى على لسان موسى: {يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ، قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ} (المائدة: 22-21). وهكذا في قصة طالوت المؤمن وجالوت العربي المشرك.
وبعد أن بعث الله محمداً صلى الله عليه وآله وسلم نبياً بالحق، صار اتِّباعُه ونصرُه على الناس واجباً، وأصبح أتباعه المسلمون هم الأحق بحكم الأرض المقدسة، وهم الوارثون لها بأمر الله سبحانه.

في القانون الدولي

وإذا أردنا أن نتحدث عن هوية القدس وفق القوانين الدولية المعاصرة وتماشياً مع قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن فهذه هي المعطيات:
- بناء على قرار التقسيم الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1947 برقم 181، كان من المفترض أن تقسم فلسطين إلى ثلاثة أقسام: قسم تنشأ عليه دولة فلسطينية.. وقسم تنشأ عليه دولة يهودية.. وقسم يقام عليه كيان منفصل يخضع لنظام دولي خاص وتتولى الأمم المتحدة إدارته ويتألف من مدينة القدس.
- وبعد احتلال القدس القديمة عام 1967 دان مجلس الأمن ذلك في القرار 478.
- وبعد صدور قانون القدس الإسرائيلي سنة 1980 القاضي بتفعيل كون القدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارات إليها، رفضه مجلس الأمن في قرار رقم 478 واعتبره باطلاً ودعا الدول التي أنشأت سفاراتها في القدس إلى إخراجها منها.. فأي حق للصهاينة فيها بعد ذلك؟

القدس في الضمير الإسلامي

إن أهمية القدس بالنسبة إلى العالم الإسلامي اليوم لا تتعلق فقط بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني وتعيين عاصمة الدولة الفلسطينية ومصير المسجد الأقصى، بل هي كما قال رئيس الوزراء التركي أمام القمة العربية بوضوح: (إن مصير اسطنبول مرتبط بمصير القدس)!!