كيف يطمئن القلب بذكر الله؟ ـ آية الله مكارم الشيرازي

في تفسيره الأمثل طرح المرجع الديني الشيخ مكارم الشيرازي هذا السؤال وأجاب عنه، وبدوري أقوم بعرض الإجابة مع الاختصار: (لتوضيح هذا المعنى ومعرفة عوامل القلق والاضطراب لابد من ملاحظة ما يلي:
أولاً: يحدث الاضطراب مرة بسبب ما يجول في فكر الإنسان عن المستقبل المظلم، فيحتمل زوال النعمة، أو الأسر على يد الأعداء، أو الضعف والمرض، فكل هذه تؤلم الإنسان، لكن الإيمان بالله القادر المتعال الرحمن الرحيم، الله
الذي تكفل برحمة عباده، هذا الإيمان يستطيع أن يمحو آثار القلق والاضطراب، ويمنحه الاطمئنان في مقابلها.
ثانياً: ومرة يشغل فكر الإنسان ماضيه الأسود، فيمسي قلقاً بسبب الذنوب التي ارتكبها وبسبب التقصير والزلات، ولكن بالنظر إلى أن الله غفار الذنوب وقابل التوبة وغفور رحيم، فإن هذه الصفات تمنح الإنسان الثقة وتجعله أكثر اطمئناناً.
ثالثاً: ضعف الإنسان في مقابل العوامل الطبيعية، أو مقابل كثرة الأعداء يؤكد في نفسه حالة القلق وأنه كيف يمكن مواجهة هؤلاء القوم في ساحة الجهاد أو في الميادين الأخرى؟ ولكنه إذا تذكر الله، واستند إلى قدرته ورحمته، هذه القدرة المطلقة التي لا يمكن أن تقف أمامها أية قدرة أخرى، سوف يطمئن قلبه.
رابعاً: ومن جانب آخر يمكن أن يكون أصل المشقة هي التي تؤذي الإنسان، كالإحساس بتفاهة الحياة أو اللاهدفية في الحياة، ولكن المؤمن بالله الذي يعتقد أن الهدف من الحياة هو السير نحو التكامل المعنوي والمادي، ويرى أن كل
الحوادث تصب في هذا الإطار، سوف لا يحس باللاهدفية ولا يضطرب في المسيرة.
خامساً: ومن العوامل الأخرى تحمّل كثيراً من المتاعب للوصول إلى الهدف، دون أن يجد من يقيّم أعماله ويشكر له هذا السعي، فيعيش حالة من الاضطراب والقلق، وأما إذا علم أن هناك من يعلم بهذا السعي ويشكره عليه ويثيبه، فليس للاضطراب والقلق هنا محل.
سادساً: سوء الظن عامل آخر من عوامل الاضطراب، ولكن الإيمان بالله ولطفه المطلق وحسن الظن به ـ التي هي من وظائف الفرد المؤمن ـ سوف تزيل عنه حالة القلق وتحل محلها حالة الاطمئنان والاستقرار.
سابعاً: الهوى وحب الدنيا من أهم عوامل القلق، وقد يصل الأمر إلى حد أن يكون عدم الحصول على أي شئ من مظاهر الحياة البراقة باعثاَ للقلق، ولكن الإيمان بالله والتزام المؤمن بالزهد والاقتصاد ينهي حالة الاضطراب هذه.
ثامناً: من العوامل المهمة الأخرى الخوف من الموت، وبما أن الموت لا يكون فقط عند الشيخوخة، لذا نجد الخوف منه حاضراً بقوة وباعثاً على الاضطراب. ولكن إذا اعتقدنا أن الموت هو باب لحياة أوسع وأفضل من هذه الحياة، فلا
معنى للقلق حينئذ.
إن عوامل الاضطراب لا تنحصر بهذه العوامل، فهناك عوامل كثيرة أخرى، ولكن كل مصادرها تعود إلى ما ذكرناه أعلاه. وعندما رأينا أن كل هذه العوامل تذوب وتضمحل في مقابل الإيمان بالله سوف نصدق أنه ألا بذكر الله تطمئن القلوب).