قراءة في الخطبة الأولى من نهج البلاغة - إرسال الأنبياء


[ 1 ] ومن خطبة له (عليه السلام) يذكر فيها ابتداءَ خلق السماءِ والاَرض، وخلق آدم عليه الصلاة والسلام: ..... وَاصْطَفى سُبْحَانَهُ مِنْ وَلَدَهِ أَنْبيَاءَ أَخَذَ عَلَى الْوَحْيِ مِيثَاقَهُمْ، وَعَلَى تَبْليغِ الرِّسَالَةِ أَمَانَتَهُمْ) أخذ عليهم العهد أن يتحملوا مسئولية الوحي والرسالة بالحمل والحفظ والتبليغ والتطبيق، قال تعالى: [وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا] الأحزاب: 7] (لَمَّا بَدَّلَ أَكْثَرُ خَلْقِهِ عَهْدَ اللهِ إِلَيْهِمْ، فَجَهِلُوا حَقَّهُ، واتَّخَذُوا الأنْدَادَ مَعَهُ) حيث اختلقوا آلهة وجعلوهم أمثالاً لله سبحانه في الألوهية ونسبوا إليهم الخلق والتدبير وأموراً أخرى من خيالاتهم (وَاجْتَالَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ عَنْ مَعْرفَتِهِ) صرفتهم عن قصدهم في معرفة الله وصار تركيزهم على الآلهة واختلطت الأفكار والتصورات حول الله وصفاته وحول حقيقة الألوهية وما يجب أن يتصف به الإله وما يجب أن ننزه عنه الإله (وَاقتَطَعَتْهُمْ عَنْ عِبَادَتِهِ، فَبَعَثَ فِيهمْ رُسُلَهُ، وَوَاتَرَ إِلَيْهِمْ أَنْبِياءَهُ) أرسلهم وبين كل نبيّ ومَن بعده فترة (لِيَسْتَأْدُوهُمْ مِيثَاقَ فِطْرَتِهِ) ليطلبوا منهم أن يؤدوا استحقاق ميثاق الفطرة وهو التوحيد.
- وهذا المقطع يستدعي قوله تعالى (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) [البقرة:231].
- (وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُواْ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) [يونس:19].
- وقد اختلف المفسرون في المراد من وحدة الناس في أمة واحدة قبل بعثة الأنبياء (ع)، هل كانوا أمة واحدة على الشرك وتعدد الآلهة أم على التوحيد الفطري ثم أشركوا ثم بعث الله النبيين.
- وهكذا فإن الاتجاه السائد لدى علماء الإنسانيات والتاريخ في هذا العصر أن الأصل في الأديان عند الناس كان الشرك، ثم ظهرت الدعوة إلى التوحيد كدين.
- وهذا ما طرحه مؤخراً الدكتور خزعل الماجدي بشكل متكرر ضمن كتابه (كشْف الحلقة المفقودة بين أديان التعدد والتوحيد) وكتب أخرى له وضمن محاضراته معتبراً أن الإنسانية كانت على تعدد الآلهة ضمن الأديان المختلفة، ثم تطور البشرية نحو التفريدية (اليهودية)، ثم التوحيد الباطني، ثم التوحيد الظاهري المتمثل في المسيحية والإسلام.
- النص السابق للإمام علي (ع) بحسب المروي في النهج البلاغة يصحح فكرة أن التوحيد هو الأساس، وكانت على الفطرة (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ، أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ) [الأعراف: 172-173].
- ثم انحرفت البشرية إلى التعددية فبعث الله الأنبياء لإعادة الناس إلى فطرة التوحيد.
- ونحن نؤمن أن آدم أبا البشرية العاقلة كان موحداً، وهكذا على الأقل أحد ابنيه (المقتول)، فهذه
بداية البشرية العاقلة بحسب ما نفهمه من القرآن، وكانا على التوحيد.
- (لَمَّا بَدَّلَ أَكْثَرُ خَلْقِهِ عَهْدَ اللهِ إِلَيْهِمْ، فَجَهِلُوا حَقَّهُ، واتَّخَذُوا الأنْدَادَ مَعَهُ، وَاجْتَالَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ عَنْ مَعْرفَتِهِ، وَاقتَطَعَتْهُمْ عَنْ عِبَادَتِهِ، فَبَعَثَ فِيهمْ رُسُلَهُ، وَوَاتَرَ إِلَيْهِمْ أَنْبِياءَهُ، لِيَسْتَأْدُوهُمْ مِيثَاقَ فِطْرَتِهِ وَيُذَكِّرُوهُمْ مَنْسِيَّ نِعْمَتِهِ، وَيَحْتَجُّوا عَلَيْهِمْ بَالتَّبْلِيغِ، وَيُثِيرُوا لَهُمْ دَفَائِنَ الْعُقُولِ، وَيُرُوهُمْ آيَاتِ الْمَقْدِرَةِ: مِنْ سَقْف فَوْقَهُمْ مَرْفُوع، وَمِهَاد تَحْتَهُمْ مَوْضُوع، وَمَعَايِشَ تُحْيِيهِمْ، وَآجَال تُفْنِيهمْ، وَأَوْصَاب) متاعب (تُهْرِمُهُمْ، وَأَحْدَاث تَتَابَعُ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يُخْلِ اللهُ سُبْحَانَهُ خَلْقَهُ مِنْ نَبِيٍّ مُرْسَل، أَوْ كِتَاب مُنْزَل، أَوْ حُجَّة لاَزِمَة، أَوْ مَحَجَّة قَائِمَة) الطريق القويمة الواضحة (رُسُلٌ لا تُقَصِّرُ بِهِمْ قِلَّةُ عَدَدِهِمْ، وَلاَ كَثْرَةُ المُكَذِّبِينَ لَهُمْ: مِنْ سَابِق سُمِّيَ لَهُ مَنْ بَعْدَهُ، أَوْ غَابِر عَرَّفَهُ مَنْ قَبْلَهُ. عَلَى ذْلِكَ نَسَلَتِ القُرُونُ) مضت متتابعة (وَمَضَتِ الدُّهُورُ، وَسَلَفَتِ الاْباءُ، وَخَلَفَتِ الأبْنَاءُ).