البرنامج الأمثل لإدارة الدولة وقيادة المجتمع (25) ـ السيد حسين الشامي

قال أمير المؤمنين عليه السلام: (ثُمَّ الطَّبَقَةُ السُّفْلَى مِنْ أَهْلِ الْحَاجَةِ وَالْمَسْكَنَةِ الَّذِينَ يَحِقُّ رِفْدُهُمْ وَمَعُونَتُهُمْ وَفِي اللهِ لِكُلّ سَعَةٌ، وَلِكُلٍّ عَلَى الْوَالِي حَقٌ بِقَدْرِ مَا يُصْلِحُهُ، وَلَيْسَ يَخْرُجُ الْوَالِي مِنْ حَقِيقَةِ مَا أَلْزَمَهُ اللهُ مِنْ ذلِكَ إِلاَّ بِالاِْهْتَِمامِ وَالاسْتِعَانَةِ بِاللهِ، وَتَوْطِينِ نَفْسِهِ عَلَى لُزُومِ الْحَقِّ، وَالصَّبْرِ عَلَيْهِ فِيَما خَفَّ عَلَيْهِ أَوْ ثَقُلَ).
نلاحظ هنا أن الإمام عليه السلام يجعل هذه الطبقة من الناس وهم الفقراء والمساكين والبائسون من الأصناف الحية التي تساهم في حركة الحياة وبناء الدولة رغم أنهم طبقة مستهلكة غير منتجة، وليس لها دور إيجابي ظاهر في البناء العلمي والمدني والاقتصادي والتقدم في الحياة العامة.
غير أنه عليه السلام ينظر إلى البعد الآخر في الاهتمام بهؤلاء، وذلك لأن العناية بالفقراء والمساكين من خلال مشاريع البر والإحسان التي يجب أن تسود في المجتمع من شأنها أن تعالج مشاكل الفقراء والأغنياء على حد سواء، حيث أن مشاريع الخير في الوقت الذي تحل مشكلات الضعفاء والفقراء الحياتية، إلا أنها تعمق في نفوس الأغنياء حب العطاء ومشاريع البر والخير والإحسان وتطهرهم وتزكيهم من الاستغراق بالأنانية وحب الذات. وقد أثبتت تجارب الشعوب والأمم ذات القيم الإنسانية إن المشاريع الخيرية تؤدي بطبيعتها إلى تطهير الحياة الاجتماعية من أمراض الأنانية وحب الذات، ودفع الجميع نحو المساهمة في المشاريع ومؤسسات النفع العام، إضافة إلى الجانب الأخروي الذي يعني ضمان حصول الأجر والثواب من الله تعالى، وما عند الله خير وأبقى، حيث أن وجود هذه الطبقة الفقيرة مدعاة لاستنزال الرحمة والبركة من السماء التي تنزل على البلاد والعباد بسبب هؤلاء الفقراء الذين جعل الله لهم حقاً ثابتاً في عهدة الوالي والمجتمع على حد سواء.
وقد يضيق الحاكم أو المسؤول المتصدي بهذه الحاجات والطلبات وكثرة الإلحاح من قبل الفقراء وأصحاب الحاجات، غير أنه يجب عليه أن يتمتع بالحلم وسعة الصدر والقدرة على الاستيعاب والتحمل لمشكلات هؤلاء المساكين والمحرومين الذين يرون أن مهمات المتصدي للشأن العام أن يوفر لهم ما يحتاجونه وأن يعيد الأمل المنطفئ في النفوس بسبب الفقر والفاقة، فإن الفقر يؤدي إلى الانحراف وقد يؤدي إلى الكفر.