المرأة.. ذلك الشر المطلق!! ـ مقال للشيخ علي حسن

احتفل العالم في الثامن من مارس باليوم العالمي للمرأة، والذي أعلن عنه من قبل الأمم المتحدة عام 1977. وقد أثارت هذه المناسبة شجوناً وتساؤلات عديدة حول قضايا المرأة. ومن بين القضايا التي طرحت: التساؤل عن كيفية التعامل مع النصوص العديدة التي تتحدث عن المرأة بصورة سلبية داخل إطار الإرث الحديثي، وقد صدر مؤخراً كتاب (صورة المرأة في التراث الشيعي: تفكيك لآليات العقل النصي) لمحمد الخبّاز والذي اعتبر فيه أن: (علماء الدين القدماء لم يستخرجوا من النصوص الحديثية المتعلقة بالمرأة سوى صورة سلبية تضعها في مرتبة دونية، في حين تضع الرجل في مرتبة علوية). وبعد أن استعرض بعض النصوص، خلص المؤلف إلى وجود ما هو دخيل على التشيع استطاع أن يجد له مكاناً مؤثراً في تكوين تلك الصورة السلبية. وهذا نموذج من كتب كثيرة أثارت من قبل ذات الإشكال على مكانة المرأة في النصوص الإسلامية عند أهل السنة.
فهل فعلاً المسألة كما يقول؟
لابد من التأكيد أولاً على حدوث اختراقات كثيرة للفكر الإسلامي، وقد اختلطت بالأصيل منه، بل وأضفي على بعض مواردها صبغة القداسة والمسلمات الدينية، والإسلام منها براء. وما الإسرائيليات التي دارت حولها بحوث ودراسات إلا نموذج منها.
الأرض وقرنا الثور:
من ضمن تلك الاختراقات حديث استقرار الأرض على قرني ثور، وهو عبارة عن تصور إسطوري انتقل من الأمم السابقة للإسلام ـ ومنهم العرب الجاهليون واليهود ـ يتلخص في أن الأرض تنتقل على قرني ثور، فإذا كانت على قرن كان الليل، وإذا انتقلت إلى القرن الآخر كان النهار، وأن الثور يقف على حوت عظيم، وهذا الحوت إذا اهتز تزلزل الثور، فوقعت الزلازل!! بل ويتحول الثور والحوت في الآخرة ـ كما يبدو من بعض النصوص ـ إلى طعام لأهل الجنة!!
والآن قارن بين ما سبق وبين قوله تعالى (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) الأنبياء:33. أين هذا مما قيل عن الثور والحوت؟ وهل تكون بعض النصوص حول المرأة من قبيل ما في نهج البلاغة: (المرأة شر كلها، وشر ما فيها أنه لابد منها)، و في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (إن المرأة تُقبِل في صورة شيطان وتُدبر في صورة شيطان) من ضمن الاختراقات المذكورة؟
الإطار المعرفي للقرآن:
ولو كان المسلمون قد اعتمدوا بصورة متكاملة على القرآن الكريم باعتباره الإطار المرجعي الأول الذي يرجعون إليه في تكوين بنائهم المعرفي، ويهيؤون من خلاله الأرضية والأسس التي تُبنى عليها رؤاهم وتصوراتهم العقائدية والفكرية والعملية والاجتماعية، لما واجهوا صعوبة كبيرة في التعامل مع هذه النصوص، وقد أشار العلامة الطباطبائي رحمه الله في تفسير الميزان ج5 إلى هذه الحقيقة الغائبة على المستوى المعرفي والإفتائي معتبراً أن لذلك نتائج سلبية تجعل من الممكن لطالب العلم أن يتلقى العلوم الشرعية المختلفة دون إحاطة كاملة بآيات القرآن الكريم.
المرأة في القرآن:
إذا رجعنا إلى القرآن الكريم للتعرف على الصورة المعرفية التي يقدمها القرآن عن المرأة، فإننا سنجده يتحدث عن تجربة بداية الخلق، فأكّد أن الرجل والمرأة عاشا التجربة معاً، ولم يحمّل المرأة مسئولية الإغواء، على خلاف التوراة (فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا) الأعراف:22. وحمّلهما معاً المسؤولية في الحياة الدنيا بعد ذلك (قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) البقرة:38.
وأما على مستوى القيمة الإيجابية فلم يفرّق بين الرجل والمرأة (إنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّـهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّـهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) وقال: (يوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَىٰ نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) الحديد:12. وعن العقوبة في الدنيا (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا) المائدة:38. واعتبر أن المرأة يمكن أن تكون القدوة والمثل للرجل (وَضَرَبَ اللَّـهُ مَثَلا لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ) التحريم:11.
لا إفراط ولا تفريط:
إن أولوية النص القرآني لا تعني بالطبع التقليل من قيمة السنة، ولكن مشكلات النصوص الحديثية ـ كالوضع والتحريف والنقصان وانقطاع ارتباطها بسبب الصدور وغير ذلك ـ كثيرة جداً. ولذا قدّم الإمام جعفر الصادق عليه السلام القرآن ميزاناً لتقييم الحديث، لا العكس حيث قال: (وكلُّ حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف). كما أن وجود تلك الاختراقات لا يعني التسرع في الحكم على الأحاديث بالبطلان بصورة مزاجية وغير علمية، فلا إفراط ولا تفريط.