ليكن رسول الله قدوتنا (2) ـ مقال للحاج عمار كاظم

أعد الله تبارك وتعالى نبيه محمد بن عبدالله صلى الله عليه وآله وحباه لحمل الرسالة وأداء الأمانة الكبرى وإنقاذ البشرية، ولم يفاجأ صلى الله عليه وآله بالوحي ولم يكن ذهابه إلى غار حراء عفويا غير موجه ولا حكمة فيه ولا انتظار فقد كان صلى الله عليه وآله على اتصال بعالم الملكوت الأعلى عن طريق الرؤيا والمنام فقد روي أن جبريل عليه السلام أول ما نزل بالقرآن على النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمره بالاستعاذة كما روي عن الإمام جعفـر الصادق عليه السلام أنه قال: (أول ما نزل جبريل على محمد صلى الله عليه وآله وسلم قال: يا محمد استعذ. فقال: أستعذ بالسميع العليم من الشيطان الرجيم. ثم قال: بسم الله الرحمن الرحيم. ثم قال: اقرأ باسم ربك الذي خلق...). عاد النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى أهله وهو يحمل كلمة الوحي ومسؤولية حمل الأمانة التي كان ينتظر شرف التكليف بها ويخلو زمناً في الغار لتلقيها. وانطلق مستجيباً لأمر الله تعالى يبشر بالرسالة الخاتمة ويدعو إلى عبادة الله الواحد الأحد الصمد، فكانت زوجته خديجة وابن عمه علي بن أبي طالب بجانبه منذ انطلاق الدعوة، فكانت خديجة عليها السلام تمنحه الحب وتشيع في أرجاء البيت عبق الراحة والسعادة وصرفت كل ما تملك من أجل نصرة الدعوة وتثبيت أركانها، وكان علي عليه السلام التلميذ الواعي لمضمون الرسالة والجندي المدافع عنها.
ومضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يواصل دعوته بكل ثقة رغم ما كان يعانيه مع أصحابه من الإهانات والتنكيل والإرهاب والتعذيب، وفي معركة أحُد انهزم المسلمون أمام قوى الشرك بعد عصيانهم لأمر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأصيب النبي إصابات بالغة لكنه بقي صامداً حتى أطفأ الله تعالى الفتنة. وتحمل صلى الله عليه وآله وسلم الجوع والفقر، ورفَض زينة الحياة الدنيا حتى قال: (مالي وللدنيا وما مثلي ومثل الدنيا إلا كراكب سار في يوم صائفا فاستظل تحت شجرة ساعة من نهاره ثم راح وتركها).
كان صلى الله عليه وآله وسلم قوياً في عقيدته رحيماً في مشاعره، فكانت رحمته كالنبع الصافي الذي فاض حتى شمل كل الذين آذوه واضطهدوه عبر سنوات طويلة، فوقف بينهم قائلاً: (أقول كما قال أخي يوسف: لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين).
وقد أكد النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم على حقيقة أن: (أقربكم مني غداً في الموقف أصدقكم للحديث، وأداكم للأمانة، وأوفاكم بالعهد، وأحسنكم خلقاً، وأقربكم من الناس) وعلى أنه (من سره أن يحيا حياتي ويموت مماتي ويسكن جنة عدن غرسها ربي فليوال علياً من بعدي وليوالي وليه وليقتد بالأئمة من بعدي فإنهم عترتي، خُلقوا من طينتي، ورزقوا فهماً وعلماً، وويل للمكذبين بفضلهم من أمتي القاطعين فيهم صلتي لا أنالهم الله شفاعتي).