البرنامج الأمثل لإدارة الدولة وقيادة المجتمع (18) ـ السيد حسين بركة الشامي

(وأكثِر مدارسة العلماء ومناقشة الحكماء في تثبيت ما صلح عليه أمر بلادك وإقامة ما استقام عليه الناس قبلك).
يمثل العلم في حقوله المختلفة القاعدة الأساس التي يرجع إليها الناس في مختلف قضاياه وشؤونه الخاصة والعامة، وهو القيمة الكبرى التي يحتاجها الإنسان، إما لمعالجة مشكلاته الحياتية والاجتماعية، وإما أن يكون طريقاً لاكتشاف أسرار الطبيعة وفتح آفاق الكون وقوانين الحياة وما يحيط به من مجهول.
وما نشهده اليوم من إبداعات وابتكارات عميقة في مجالات العلوم المتنوعة، إنما جاءت عبر جهود متواصلة للعلماء والمبدعين السابقين، سواء أكان على مستوى العلوم الطبيعية والدينية والفلسفية أو على مستوى النظريات الاجتماعية والسياسية والأدبية، كما أن نشوء الحضارات والدول العريقة في التاريخ قامت على أيدي العلماء ومفكرين وفلاسفة من الذين أبدعوا في تأسيسها وتطويرها. ولولا هؤلاء العلماء ورواد الفكر والمعرفة لما كان للحياة معنى أو طعم، ولما توصلت البشرية إلى ما توصلت إليه من تقدم وازدهار ومدنية. ومن هذا المنطلق فإن العلم يدخل في صميم الحياة السياسية وإدارة الدولة الحديثة.
فعلى الحاكم والمسؤول السياسي في إدارة شؤون المجتمع أن لا يستغرق وقته مع أصحاب الشأن السياسي فحسب، بل لا بد له من الاستفادة من الطاقات والكفاءات الأخرى، ومن أهمها الفقهاء والعلماء ورجال الفكر والثقافة. لأن العلماء والمثقفين يقرؤون الأشياء وحركة الواقع بطريقة قد تختلف كثيراً أو قليلاً عن فهم وقراءة المنشغلين في قضايا السلطة والسياسة، وإن مقياس قوة ونجاح أي حكومة أو مؤسسة عامة هو بمقدار اعتمادها على العقول المفكرة، وذوي الرأي السديد من العلماء والمفكرين وأهل الخبرة والعقول المفكرة.
كما أنه يجب على الحاكم أن لا ينشغل بالعلوم الترفيّة التي لا تنفعه في مهمته الثقافية والسياسية والتربوية، إنما يجب عليه أن يهتم بالعلوم النافعة في واقعة الاجتماعي والفكري، فعن الإمام الصادق عليه السلام قوله: (دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المسجد فإذا جماعة قد أطافوا برجل، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: ما هذا؟ فقيل: علاّمة. فقال: وما العلاّمة؟ فقالوا له: أعلم الناس بأنساب العرب ووقائعها وأيام الجاهلية والأشعار العربية. فقال النبي: ذاك علم لا يضر من جهله، و لا ينفع من علمه. ثم قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: العلم ثلاثة: آية محكمة أو فريضة عادلة أو سنة قائمة، وما خلاهن فهو فضل).
ولا يُفهم من هذا الحديث بخس العلوم الأخرى أو التقليل من شأنها ودورها العلمي، إنما يفيد هذا الحديث الشريف إبراز العلوم الشرعية الأولية التي يجب تعلمها لتربية النفس وبناء الذات والتأكيد على هذه المفردات الثلاث باعتبارها تمثل الحقائق والأسس لمعرفة الإسلام عقيدة وشريعة ومنهج حياة. وعن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: (واعلم أنه لا خير في علم لا ينفع، ولا ينتفع بعلم لا يحق تعلمه).