المصيبة الأعظم ـ مقال للشيخ علي حسن غلوم

يبدو أننا دخلنا موسماً جديداً من الإثارات الطائفية في المنطقة العربية والإسلامية وسيقدم فرصة أخرى للكيان الصهيوني ليأخذ نفَسَه في تعديل أوضاعه الداخلية، والتخطيط لمرحلة جديدة من العدوان والسيطرة على المنطقة، وبالاستفادة من الوضع الضعيف الذي تعيشه دول المنطقة وتشرذمها، وفي ظل حكومات مهددة بعقوبات دولية من جهة، وتفكك وحدتها الوطنية من جهة أخرى.
مسلسل مستمر:
آخر حلقات هذا المسلسل عندنا في الخليج قضية الشيخ العريفي، ووضع العراق معروف، أما إيران فقد دخلت في صراع داخلي لم تنته من معالجته، واليمن يعيش حرباً بثوب طائفي، والقتال الطائفي والقبلي في باكستان وأفغانستان على قدم وساق، وما أن تهدأ الوضاع في لبنان ويُعالَج جرح حتى ينتقض جرح آخر.
نجع حمادي:
قبل أسابيع قُتل بعض الأقباط في قضية ثأر على خلفية الاعتداء على فتاة مسلمة، وعملت بعض الأطراف المحلية والخارجية على توظيفها طائفياً، وليس ضمن معطياتها القبلية وضمن إطار الجريمة والثأر.. وقد شاهدت بنفسي كيف يتعايش المصريون المسلمون والمسيحيون بشكل طبيعي جداً، وأينما ذهبت شاهدت المسجد والكنيسة، ولكلٍّ رواده، ولكن يبدو أن بعض وسائل الإعلام الغربية تريد أن تؤكد دائماً في تعاطيها مع مثل هذه الأخبار على البُعد الطائفي لخدمة أهدافٍ معينة، تصب في نهاية المطاف لمصلحة إسرائيل.
وفد الحريات الدينية:
هناك قلق عام في المنطقة من تنامي الحالة الطائفية وتمزيق الوحدة الوطنية، فبعد أن انتهى الحلم العربي في تحقيق الوحدة بين الدول العربية والذي كان شعاراً قومياً لعدة عقود، جاء دور الوحدة الوطنية لتعاني من ذات الداء. رئيس تحرير صحيفة الجمهورية المصرية (الأستاذ محمد علي إبراهيم) كتب كلاماً خطيراً في افتتاحية الصحيفة يوم الأربعاء 20 يناير 2010، وكان فيما كتب: (الأسبوع القادم يصل إلي القاهرة وفد الحريات الدينية الأمريكي في توقيت يثير تساؤلات لا تملك دفعها وأعني تزامن الزيارة مع الأحداث المؤسفة التي وقعت في نجع حمادي وراح ضحيتها عدد من الاخوة الأقباط. الوفد يصل القاهرة قادماً من السودان التي يعرف الجميع أنها مهددة بانفصال بين جنوب مسيحي وشمال مسلم، أو لنكن أكثر تحديداً شمال عربي وجنوب زنجي. الأنباء الواردة من السودان تؤكد أن هناك مخططاً لتقسيمه تسير فيه الدول الكبرى وأمريكا سيراً حثيثاً لتنفيذه). مع العلم بأن هذا الإنفصال سيقود إلى تواجد عسكري ومخابراتي قوي في جنوب السودان كما تدل على ذلك بعض المعطيات، وإذا أضفنا إلى ذلك كثافة التواجد المخابراتي الإسرائيلي في العراق، فإن النتيجة هي إحكام فكي الكماشة الإسرائيلية التي تحاصر بها المنطقة.
أطول حرب انفصالية:
وأضاف الكاتب: (زيارة وفد الحريات الدينية الأمريكي للقاهرة تجيء بعد زيارة طويلة للسودان الذي يتعرض لمحاولات مستميتة لتقسيمه بعد استفتاء 2011 القادم وهو ما يلوح بخطر مميت للأمن القومي المصري. المراقبون فسروا زيارة وفد الحريات الدينية للسودان على أنه مقدمه للتقسيم، ويعيد للذاكرة الزيارات التي قام بها من قبل وفد الجمعيات الكنسية الأمريكية للسودان وانشقاق حركة جون قرنق عن الجيش السوداني ودعوته لإنشاء منطقة مستقلة في الجنوب. هناك تفسيرات كثيرة عن زيارة وفد الحريات الدينية الأمريكي للسودان منها أنه ربما أعاد زراعة بذور الفتنة التي نجم عنها أطول حرب انفصالية في تاريخ القارة الأفريقية بين الشمال والجنوب، ونجم عنها سقوط عدد كبير من الضحايا عام 2009 يفوق بكثير ضحايا الصراع حول دارفور. زيارة الوفد الأمريكي للسودان فجر من جديد أخطار حرب الانفصال في الدولة الشقيقة التي تشاركنا مصب حوض النيل).
الصراع في نيجيريا:
ولا تختلف الصورة في نيجيريا كثيراً عما هي عليه في السودان، وهو ما أكد عليه السيد إبراهيم في مقالته حيث كتب: (وتجيء زيارة الوفد الأمريكي لمصر أيضاً في أعقاب ما حدث من أعمال عنف طائفية في نيجيريا راح ضحيتها 26 شخصاً قتلوا في مصادمات بين المسلمين والمسيحيين. المصادمات تمت بين من ينتمون لمحافظات الشمال المسلمة ومحافظات الجنوب المسيحية. أحداث نيجيريا مثل أحداث السودان وأماكن أخرى عديدة نكتشف بها أصابع أمريكية كل حين. الأمر الذي يلقي بشبهات كثيرة علي زيارة الوفد الأمريكي للقاهرة في هذا التوقيت بالذات).
المسؤولية الوطنية:
ويقفز السؤال المهم من جديد: ما هي مسئوليتنا الدينية والوطنية في مثل هذه الأجواء؟ وهل ننساق وراء كل من يحاول إثارة الفتنة؟ هذا لا يعني أن لا تكون لدينا ردود فعل تجاه من يخطئ ويعتدي على الآخرين بروح طائفية مقيتة، ولكن فلتكن ردود الفعل هذه محسوبة، بل ينبغي أن تكون بالدعوة لتحريك العناوين الإيجابية (الوحدة والتلاحم والتكاتف ونبذ العصبيات والحوار وقبول الآخر... إلخ) لتحييد أصحاب الفكر المتطرف والتكفيريين وأمثالهم من أية فئة كانوا، وعزلهم عن المجتمع، وتقوية مواقف دعاة الوحدة، لا بالتنظير والخطابة وإقامة الندوات الاستعراضية فحسب، بل بالعمل الحقيقي والجاد على الأرض والذي من خلاله نشاهد السني يقف إلى جانب الشيعي في صفوف صلاة الجماعة دون أية حساسية من الاختلاف في تفاصيلها، ويترأس أحدهما الآخر في مواقع العمل دون أن يكون للعنوان الطائفي أو القبلي أو الأسري أو المناطقي دخلاً في التقييم، ويمارس كل منهما شعائره وفق رؤيته الفقهية دون أن يثير لدى الآخر حساسية الخلافات التاريخية المتراكمة وثارات الصراع الأموي والعباسي والفاطمي والعثماني والصفوي.
إن من المهم أن نعرف كيف تكون ردة فعلنا في مثل هذه الأجواء كي لا تكون خسارتنا أكبر. وهذا هو منهج أمير المؤمنين عليه السلام حيث قال في أجواء فتنة الحكم: (فخشيت إن أنا لم أنصر الإسلام وأهله أن أرى فيه ثلماً أو هدماً تكون المصيبة به عليّ أعظم من فوت ولايتكم هذه).