خبّاب بن الأرت ـ مقال للشيخ علي حسن

هو الصحابي الجليل خبّاب بن الأرت بن جندلة التَّميمي، وكنيته أبو يحيى، وقيل أبو عبد الله. سُبيَ في الجاهلية، فبيع في مكة ثم حالف بني زُهرة، وأسلم فكان من السابقين إلى الإسلام، وكان من المستضعفين، ولذا كان النبي يكرمه ويفرش له رداءه ويقول: (أهلاً بمن أوصاني بهم ربي).
ابتلاء عظيم:
وفي استبسال عظيم صبر خباب لكل ما لاقاه من تعذيب، ولم يلن بأيدي الكفار على الرغم من أنهم كانوا يذيقونه أشد ألوان العذاب، فقد حولوا الحديد الذي بمنزله ـ لأنه كان يصنع السيوف ـ إلى سلاسل وقيود يحمونها بالنار ويلفون جسده بها، ولكنه صبر واحتسب، فاستنجد الكفار بأم أنمار، السيدة التي كان خباب رضي الله عنه عبداً لها قبل أن تعتقه، فأقبلت تأخذ الحديد المحمى وتضعه فوق رأسه ونافوخه، وخباب يتلوى من الألم، ولكنه يكظم أنفاسه حتى لا يرضي غرور جلاديه، ومر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم والحديد المحمى فوق رأسه، فطار قلبه رحمة وأسى، ولكن ماذا يملك أن يفعل له غير أن يثبّته ويدعو له: (اللهم انصر خباباً) وبعد أيام قليلة نزل بأم أنمار قصاص عاجل، إذ أنها أصيبت بسعار عصيب وغريب جعلها ـ على ما روي ـ تعوي مثل الكلاب، وكان علاجها أن يكوى رأسها بالنار !!
وفاته:
قال له بعض عواده وهو في مرض الموت :(أبشر يا أباعبدالله، فإنك ملاق إخوانك غداً). فأجابهم وهو يبكي: (أما إنه ليس بي جزع، ولكنكم ذكرتموني أقواماً، وإخواناً مضوا بأجورهم كلها لم ينالوا من الدنيا شيئاً، وإنا بقينا بعدهم حتى نلنا من الدنيا ما لم نجد له موضعاً إلا التراب) وأشار إلى داره المتواضعة التي بناها، ثم أشار إلى المكان الذي فيه أمواله وقال: (والله ما شددت عليها من خيط، ولا منعتها عن سائل) ثم التفت إلى كفنه الذي كان قد أعد له، وقال ودموعه تسيل: انظروا هذا كفني، لكن حمزة عم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يوجد له كفن يوم استشهد إلا بردة ملحاء، إذا جعلت على رأسه قلصت عن قدميه، وإذا جعلت على قدميه قلصت عن رأسه). مات رضي الله عنه في السنة السابعة والثلاثين للهجرة، ويقال أنه أول من دُفِنَ بظهر الكوفة من الصحابة.
قال زيد بن وهب: (سِرْنا مع علي حين رجع من صفّين، حتى إذا كان عند باب الكوفة إذْ نحن بقبور سبعة عن أيماننا، فقال: (ما هذه القبور؟)) فقالوا: يا أمير المؤمنين إنّ خباب بن الأرت توفي بعد مخرجك إلى صفين، فأوصى أن يدفن في ظاهر الكوفة، وكان الناس إنّما يدفنون موتاهم في أفنيتهم، وعلى أبواب دورهم، فلمّا رؤوا خباباً أوصى أن يدفن بالظهر، دفن الناس). فقال الإمام علي: (رحم الله خباباً، أسلم راغباً وهاجر طائعاً، وعاش مجاهداً، وابتلي في جسمه، ولن يضيعَ الله أجرَ مَنْ أحسنَ عملاً) ثم دنا من قبورهم فقال:(السلام عليكم يا أهل الدّيار من المؤمنين والمسلمين، أنتم لنا سلفٌ فارطٌ، ونحن لكم تبعٌ عما قليل لاحِقٌ، اللهم اغفر لنا ولهم وتجاوز بعفوك عنا وعنهم، طوبى لمن ذكرَ المعاد وعمل للحساب وقنعَ بالكفاف، وأرضى الله عزَّ وجلَّ).