بابا نويل ـ مقال للشيخ علي حسن

تلقى مكتب البريد المخصص لاستقبال رسائل أمنيات أعياد الميلاد (الكريسماس) في ألمانيا نحو 281 ألف رسالة تحمل أمنيات متعددة من أطفال حول العالم. وقال متحدث باسم هيئة البريد إن بابا نويل ومساعديه النشطاء أنجزوا الكثير من العمل على مدار الأسابيع الماضية. وبحسب وكالة الأنباء الألمانية، أكد المتحدث أن جميع رسائل الأطفال التي وصلت إلى مكتب البريد في منتجع هيملبفورت بشرق ألمانيا قرئت بعناية من أجل الرد عليها بشكل صحيح. ورد بابا نويل ومساعدوه على الخطابات التي وصلت من نحو 80 دولة وكان من بينها للمرة الأولى خطابات من الجزائر ومونتنيجرو وباكستان. ووقف بابا نويل عاجزاً أمام تحقيق بعض أمنيات الأطفال، ومن بينهم الألماني دانيال الذي قال إنه يتمنى أن تفوز ألمانيا ببطولة كأس العالم لكرة القدم عام 2010. ورد بابا نويل على الطفل قائلاً: (لا يمكنني تحقيق كل الأمنيات ولكن بوسعي على الأقل أن أتمنى حصول الأفضل). ولكن هذا لم يمنع وجود بعض الأمنيات التقليدية للأطفال مثل الحصول على دمية أو سيارة شرطة أو كاميرا رقمية. وتمكن الأطفال هذا العام من المرور على مكتب البريد المخصص لاستقبال رسائلهم لمشاهدة بابا نويل أثناء عمله وتسليمه أمنياتهم باليد على أمل في أن يتمكن من تحقيقها لهم.
تساؤلات وأفكار:
شدني هذا الخبر كثيراً، وأثار في نفسي عدة تساؤلات وأفكار ألخصها فيما يلي:
قصة بابا نويل أو سانتا كلوز مأخوذة من قصة القديس نيكولاس الذي عاش في القرن الرابع الميلادي، وكان القديس نيكولاس يقوم أثناء الليل بتوزيع الهدايا للفقراء ولعائلات المحتاجين دون أن تعلم هذه العائلات مَن هو الفاعل، وصادف وأن توفي في ديسمبر.. فهل أطفالنا بحاجة أيضاً إلى شخصية مثل بابا نويل يتواصلون معه، ولو مرة واحدة في السنة من أجل أن يبثوا إليه آمالهم وآلامهم فيحقق لهم ما استطاع ويرد على رسائلهم بكل عطف وحنان؟ بالطبع هذا لا يعني الدعوة إلى صنع نموذج مقلَّد من بابا نويل، ولكن المقصود هو التفكير في إيجاد نموذج محبب إلى قلوب الأطفال يكون صادقاً في تعاطيه معهم، فكثيراً ما لا يجد الأطفال الصدق في سلوك الأبوين ومن يعتبرونهم القدوة من الكبار، مما قد يؤثر في فقدان عنصر الثقة تجاههم. بالطبع سيعارضني البعض بحجة تقليد الغرب "المسيحي الكافر"، ولكن لربما لو بحثنا في تراثنا الأدبي والتاريخي لوجدنا شخصية "إسلامية" أو "عربية" من هذا القبيل يمكنها أن تحقق الغرض، وتحتفظ بطابعها الأصيل، لتكون المسألة عملية إحياء لشخصية منسية أو مغمورة، لا عملية تقليد أعمى.
الإنترنت والفضائيات:
أكّد الخبر على أن مجموعة من الرسائل وصلت من بلاد لم يسبق لها أن تواصلت مع بابا نويل الألماني، كالجزائر وباكستان، وهذا يعني أن المعلومات الأولية للتواصل مع بابا نويل الألماني متوفرة في هذه البلدان البعيدة والتي لا تمت بصلة قريبة إليها، فهي لم تكن من مستعمراتها مثلاً، وليست لغتها من اللغات الدارجة بكثرة فيها، ولذا يمكن القول أن للإنترنت والفضائيات دور مهم في وصول المعلومة إلى هذه البلاد، الأمر الذي يجعلنا نفكر في تعزيز التواصل مع الأطفال في أنحاء العالم من خلال ذات الأسلوب الذي يرتبط بشخصية بابا نويل ودوره في تحقيق أمنيات الأطفال.
قيم وعادات أصيلة:
في ديننا الإسلامي مناسبات إسلامية يمكن الاستفادة منها ـ كالأعياد والقرقيعان ـ تحمل طابع التوسعة على الأهل والعيال بتوصية من شريعتنا الإسلامية، مما ييسر تحقيق المشروع دون أن نبتعد كثيراً عن العادات والتقاليد. كما أننا نملك رصيداً كبيراً من القيم والقصص التي تتعلق برعاية الطفل واليتيم والفقير والمعاق وتربيتهم وتأمين حقوقهم، يمكن توظيفها في هذا المجال.. لاحظ النص التالي.
واحيائي منك يا أمة الله:
روي أنه نظر عليّ عليه السلام أيام خلافته إلى امرأة على كتفها قربة ماء، فأخذ منها القربة فحملها إلى موضعها، وسألها عن حالها فقالت: بعث عليّ بن أبي طالب صاحبي ـ زوجي ـ إلى بعض الثّغور فقُتل، و ترك عليّ صبياناً يتامى، و ليس عندي شي‏ء، فقد ألجأتني الضرورة إلى خدمة الناس. فانصرف و بات ليلته قلقاً؛ فلمّا أصبح حمل زنبيلاً فيه طعام، فقال بعضهم: أعطني أحمله عنك! فقال: من يحمل وزري عنّي يوم القيامة؟ فأتى و قرع الباب فقالت: من هذا؟ قال: أنا ذلك العبد الذي حمل معك القربة، فافتحي فإنّ معي شيئاً للصّبيان. فقالت: رضي اللَّه عنك، و حكم بيني و بين عليّ بن أبي طالب. فدخل وقال: إنّي أحببت اكتساب الثواب، فاختاري بين أن تعجنين و تخبزين، و بين أن تعلّلين الصبيان لأخبز أنا. فقالت: أنا بالخبز أبصر وعليه أقدر، و لكن شأنك والصبيان، فعلّلهم حتى أفرغ من الخبز! قالت: فعمدت إلى الدقيق فعجنته، وعمد عليّ إلى اللّحم فطبخه، و جعل يلقّم الصبيان من اللحم و التّمر وغيره؛ فكلّما ناول الصّبيان من ذلك شيئاً قال له: يا بنيّ! اجعل عليّ بن أبي طالب في حلّ مما مرّ في أمرك. فلمّا اختمر العجين قالت: يا عبد الله، اسجر التّنّور. فبادر لسجره، فلما أشعله و لفح في وجهه جعل‏ يقول: ذق يا علي، هذا جزاء من ضيّع الأرامل و اليتامى. فرأته امرأة تعرفه فقالت: ويحكِ هذا أمير المؤمنين! فبادرت المرأة وهي تقول: واحيائي منك يا أمير المؤمنين! فقال: بل واحيائي منك يا أمة الله، فيما قصّرت في أمرك.