خطبة الجمعة 14 رمضان 1443: الشيخ علي حسن : الخطبة الثانية: المجتبى (ع) والقادة الفاسدون

- ذكرت في الخطبة الأولى أن الإمام الحسن (ع) عانى من نموذج الذين باعوا آخرتهم بدنياهم من خلال قبول الرشى التي عُرضت عليهم من قبل معاوية، في أوج الصراع القائم بين الطرفين.
- من هؤلاء من كانوا مِن الأعيان والقادة، ومنهم مَن كان مِن أقربائه المعتمَد عليهم في المساعدة على قيادة المرحلة بعد استشهاد الإمام علي (ع)، ولكنهم تخلّوا عن نصرة الحق، وإمام الحقّ، وصدّوا عن سبيل الله عزوجل بعد أن باعوا آخرتَهم بدنيا حقيرة.
- عندما شكّل الإمام الحسن القسم الأول من الجيش، وهو المقدمة، جعل القيادة لعبيدالله بن العباس، وبحلولهم في (مَسكَن: جنوب سامراء بعد بلدة الدجيل) وصلت الرشاوى لمجموعة من زعماء القبائل المكوِّنة للجيش، وهي بين مبالغ مالية ومناصب رفيعة، فتسللوا من معسكر الحسن والتحقوا بمعسكر معاوية، وكتب عبيدالله إلى الإمام بما جرى.
- ثم أغري القائدُ عبيدُالله نفسُه بالرشوة، بمبلغ مليون درهم، نصفُها معجّلة، فانسحب إلى معسكر الشام، وروي أن 8000 مقاتل انسحبوا معه، حتى أصبح الباقون وليس لهم إمامٌ يصلّي بهم الفجر!
- وكان الإمام قد بعث قائداً من كندة إلى الأنبار، ومعه أربعة آلاف مقاتل، فأرسل إليه معاوية: (إنك إنْ أقبلتَ إليَّ، أولِّك بعض كوَرِ الشام والجزيرة غيرَ مُنفِسٍ عليك) أي لتتصرف فيها كما تشاء. وأرسل إليه خمسمائة ألف درهم، فانحاز الكندي إلى معاوية ومعه مائتين من خواصّه!
- ولما أرسل الإمام (ع) قائداً بديلاً من (مراد) مقسِماً أن لا يخون، فإذا به يُكرّر ما فعله صاحبُه.
- ثم تحوّل الأمر إلى ظاهرة مغرية، بحيث بات أمثال هؤلاء يبادرون بمكاتبة معاوية عارضين عليه بيع دينِهم وآخرتهم!
- أما الإمام الحسن (ع) فقد كان حينها في (المدائن: جنوب بغداد) لاستكمال تشكيل جيشه، فلمّا سمع مَن في معسكره بتبدّل الحال، انقلبوا عليه، ونهبوا ما في المعسكر، وحاولوا اغتياله وأصيب بخنجرٍ في فخذه... وكانت هذه الأحداث حاسمة بشكل كبير في اتخاذ الإمام قرار الصلح.
- لربما تصوَّر بعض أولئك القادة وكبار الشخصيات الذين قبلوا الرشى أنّ ما قاموا به أمر شخصي، وأن حدود تأثيراته شخصية أيضاً، أو ذات تأثير على دائرة ضيقة، ولكن الواقع أن سوسة الفساد متى ما نخَرت في جهة، انتشرت واستفحلت وأصبحت ظاهرة واسعة الامتداد، خطيرة النتائج، وهو ما حذّر منه أمير المؤمنين (ع) حيث اعتبر أن النتيجة الوحيدة لذلك هو الهلاك: (فإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ مَنَعُوا النَّاسَ الْحَقَّ فَاشْتَرَوْهُ، وَأَخَذُوهُمْ بِالْبَاطِلِ فَاقْتَدَوْهُ).
- من هنا، فإنَّ الاعتراف بوجود مرض الرشوة ومواجهتَه في بدايات ظهورِه بكل حزم، أفضل بمراتب من السكوت عنه حفاظاً على السمعة الإيجابية، لأنّ تغطية العفن لن يُقضيَ عليه، بل سيزيدُ العفونةَ استفحالاً واستحكاماً. وإذا ارتشى الموظف البسيط وتساهلنا وتغاضينا عن فساده، فسيأتي اليوم الذي يرتشي فيه القاضي، ويرتشي فيه المسئول الكبير... وقد تكون الصورة معكوسة حيث تبدأ الرشوة عند كبار المسئولين، فيشجّع ذلك صغار الموظفين للانخراط في عالم الفساد... ومَن تَهِن عليه نفسُه هانَ عليه وطنُه.