خطبة الجمعة 7 رمضان 1443: الشيخ علي حسن : الخطبة الثانية: المرآة المزعجة

- جاء في عهد الإمام علي (ع) لمالك الأشتر لمّا ولاه مصر: (ثم ليكن آثرُهم عندَك أقولَهم بمُرِّ الحقِّ لك، وأقلَّهم مساعدةً فيما يكون منك مما كره الله لأوليائه، واقعاً ذلك مِن هواك حيث وقع).
- عادةً ما يكون النقدُ أمراً غيرَ محبوب، وغيرَ مرحَّب به، وإنْ تظاهر البعض بخلاف ذلك.
- وغالباً ما لا يأتي النقد بنتيجة مع مَن ننتقد لأنه يجسّد شيئين من أكثر الأشياء التي نكرهها:
1. إنه يدعو إلى الخضوع والإذعان للمنتقِد، ونحن نكره ذلك.
2. إنه يقلّل من القيمة، ونحن نكره أن نشعر بالتقليل من قيمتنا أو قيمة ما أنجزنا.
- وليس بالضرورة أن يكون الناقد إنساناً... يقول أحدُهم: أهديت زوجتي مرآة مكبرة، فرمتها بانزعاج، ولما سألتها عن السبب قالت: لا أحب أن أرى العيوب في وجهي، ويكفيني أن أضع طبقات من المساحيق لتغطّي أي عيب محتمل... هنا كانت المرآة ناقداً صادقاً، ولذا كرهتْها.
- الناقد كهذه المرآة، ومن هنا قال النبي (ص): (المُؤمِنُ مِرآةٌ لِأَخيهِ المُؤمِنِ).
- ويزداد الانزعاج من النقد شدّة عندما يكون أحدُنا قد أنجز أمراً -بالنسبة إليه كبير- ويشعر بالفخر لإنجازه، فيصطدم بالنقد من أكثر من جهة، أو أن يكون في موقع مسئولية وصاحب مكانة وجاه، ويرى نفسَه -من حيث المقام- فوق كثيرين ممن يحيطون به، فيواجَه بالنقد لأدائه السيّء في الموقع الذي يحتلّه، وهو المعتاد على أن لا يسمع ممَّن حولَه إلا الثناء والإطراء والتصفيق.
- حينها سيكون حجم الانزعاج كبيراً جداً، لأنه جاء على خلاف هواه وتصوراته.
- ربما يكون معذوراً نسبياً في هذا الانزعاج، لأنه لم يقرأ إنجازَه إلا من زاوية واحدة، وغفل عن الكثير من الأخطاء والسلبيات وأوجه القصور التي شابت ذلك الإنجاز... أو لأنه لم يتوقع أن يتجرّأ أحد وينقده بهذه الصورة، وبهذا الوضوح، وبهذا العنف، بلحاظ مقامه وعلوّ مكانته.
- من هنا نبّه الإمام علي (ع) مالكاً الذي سيكون من جهة والياً، أي صاحب مقام رفيع جداً، وصاحب إنجازات على مستوى إدارة البلاد من جهة أخرى، بأن لا يسمح لإنجازاته أن تجعله فوق النقد، ولا يسمح لمنصبه أن يجعله ينزعج من النقد، ولا يلتفت لما تريده نفسه وتشتهيه من سماع المديح والثناء والتعظيم، بل أن يُصغيَ إلى الأصوات الصادقة المحبّة له والمخلصة في نقدها.
- يقول (ع) في الخطبة 216: (وإنّ من أسخف حالات الولاة عند صالح الناس أن يُظنَّ بهم حبُّ الفخر، ويوضَع أمرُهم على الكِبر) أسوأ حالة للمسئولين أن يظن بهم الصالحون أنهم يحبون الفخر ويبنون أمورهم على أساس الكبر (وقد كرهتُ أن يكون جالَ في ظنِّكم أني أحب الإطراء واستماع الثناء. ولست بحمد الله كذلك.... فلا تكلموني بما تُكلَّم به الجبابرة، ولا تتحفّظوا منّي بما يُتحفّظ به عند أهل البادرة) أي الذين يبادرون إلى العقوبة (ولا تخالطوني بالمصانعة، ولا تظنّوا بي استثقالاً في حقٍّ قيل لي، ولا التماس إعظامٍ لنفسي، فإنه مَن استثقَل الحقَّ أن يُقالَ له أو العدلَ أن يُعرَضَ عليه، كان العملُ بهما أثقل عليه. فلا تكفّوا عن مقالةٍ بحق أو مشورة بعدل، فإني لست في نفسي بفوق أن أخطئ، ولا آمَن ذلك مِن فعلي إلا أن يَكفيَ اللهُ مِن نفسي ما هو أملك به مني) أي إلا إذا عصمني الله من ذلك (فإنما أنا وأنتم عبيد مملوكون لربٍّ لا ربَّ غيرُه).
- هذه أرقى صورة يمكن أن يُتصوّر عليها صاحب الموقع القيادي، لأن السلبيات الصادرة عنه والأخطاء التي يرتكبها في موقع المسئولية لن تقتصر آثارُها عليه، بل ستعمّ آخرين، ولربما تعمّ بلداً بأكمله، ولربما تمتد إلى سنوات وعقود قادمة، وهو ما يستدعي منه -بالإضافة إلى رحابة الصدر
وتقبّل النقد- أن ينظر إليه ويتفاعل معه بإيجابية (وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) [فصلت:35].
- إننا نحتاج في الكويت اليوم – أكثر من أي وقت مضى – إلى تعاملِ المسئولين في الدولة بإيجابية مع ما توجِّهُه بعضُ الجهات الصادقة والمخلِصة من نقدٍ يستهدفُ مصلحةَ الوطن في المقام الأول، لاسيّما مع ما تواجهه الكويت من تحديات اقتصادية وتنموية كبيرة، وما يكتنف العالَم من متغيّرات سياسية حادة لا نستطيع أن نكون بمعزِلٍ عنها وأن لا نتأثّر بها، كما ونتطلّع إلى اختيار الرجال المناسبين -على مستوى السلطة التنفيذية- لقيادة المرحلة بكل منعطفاتها وتجاذباتِها الحادة، والتخطيط لمستقبلٍ واعد، بحيث تكون الكويت أوّلاً وأخيراً نُصبَ أعينهم.