خطبة الجمعة 7 رمضان 1443: الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: دعوا هذه اللماظة

- جاء في الخطبة 191 من نهج البلاغة: (عِبَادَ اللَّهِ، أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ، فَإِنَّهَا حَقُّ اللَّهِ عَلَيْكُمْ، وَالْمُوجِبَةُ عَلَى اللَّهِ حَقَّكُمْ) أي لن تنالوا ما عند الله من النعيم الأخروي إلا بالتقوى.
- عندما قدَّم ابنا آدم القربان، لم يُتقبَّل من أحدهما، فامتلأ حقداً وغضباً على أخيه، فبيّن له الأخ أن الأمر لا يعود إليه، المسألة ليست مسألة محاباة من الله، فالله لا يحابي أحداً، بل ما جرى كان وفق القاعدة الإلهية في قبول الأعمال: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) [المائدة:27].
- ويفترض بصيام شهر رمضان أن يُعين المؤمنين على تحقيق التقوى، وهذا يحتاج إلى مراقبة للنفس ومتابعة وتقييم واستعانة بالله. قال (ع): (وَأَنْ تَسْتَعِينُوا عَلَيْهَا بِاللَّهِ، وَتَسْتَعِينُوا بِهَا عَلَى اللَّهِ) أي تستعينوا بها لنيل رضا الله (فَإِنَّ التَّقْوَى فِي الْيَوْمِ الْحِرْزُ وَالْجُنَّةُ) هي التي تحميكم في الدنيا من الوقوع في ما يغضب الله (وَفِي غَدٍ الطَّرِيقُ إِلَى الْجَنَّةِ... أَلَا فَصُونُوهَا) حافظوا عليها واعتنوا بها كما تعتنون بالأشياء الثمينة التي تملكونها وتحبونها (وَتَصَوَّنُوا بِهَا) احتموا بها وبالِغوا في ذلك (وَكُونُوا عَنِ الدُّنْيَا نُزَّاهاً، وَإِلَى الْآخِرَةِ وُلَّاهاً) فلتكن الآخرة أكبرَ همِّكم، فليكن تطلعكم لى الجنة، فليكن اشتياقكم إلى الجنة، وأما هذه الدنيا الزائلة فترفّعوا عنها.
- من أشد الأمور التي تفسد على الإنسان تقواه: حب الدنيا، وتعلّقه القلبي بها، وانشداده إليها، وشدّة الإقبال عليها، ومن هنا يقول (ع) كما في الحكمة برقم 444 من النهج: (أَلاَ حُرٌّ يَدَعُ هذِهِ اللُّمَاظَةَ لأهْلِهَا؟) اللماظة: بقايا الطعام في الفم، يريد بها الدنيا.
- هناك المائدة الغنية بالطعام بكل أصنافه الشهية، وهناك بقايا من الطعام في الفم لا يعتني بها الإنسان عادة، بل ويتمضمض من أجل أن يتخلص منها... هناك الجنة التي هي بمثابة تلك المائدة، وهناك الدنيا التي لا تُمثّل إلا ما يُشبه بقايا الطعام في الفم (إِنَّهُ لَيْسَ لأنْفُسِكُمْ ثَمَنٌ إِلاَّ الْجَنَّةَ، فَلاَ تَبِيعُوهَا إِلاَّ بِهَا).
- أي عاقل يرهن مصيره لشئ لا قيمة حقيقية له، لشئ زائل لا يدوم، ويبيع آخرته الأبدية والجنة التي عرضها السماوات والأرض من أجله؟! الجنة التي لا تُنال إلا بالتقوى... ونحن في شهر رمضان في ضيافة الله، وقد هيأ لنا كل أسباب تحقيق التقوى، فهل من مجيب؟