البرنامج الأمثل لادارة الدولة وقيادة المجتمع (16) - حسين بركة الشامي


«وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ بِأَدْعَى اِلَى حُسْنِ ظَنِّ وَال بِرَعِيَّتِهِ مِنْ احْسَانِهِ اِلَيْهِمْ، وَتَخْفِيفِهِ الْمَؤُونَاتِ عَلَيْهِمْ، وَتَرْكِ اسْتِكْرَاهِهِ اِيَّاهُمْ عَلَى مَا لَيْسَ لهُ قِبَلَهُمْ، فَلْيَكُنْ مِنْكَ فِي ذلِكَ أَمْرٌ يَجَتَمِعُ لَكَ بِهِ حُسْنُ الظَّنِّ بِرَعِيَّتِكَ، فَاِنَّ حُسْنَ الظَّنِّ يَقْطَعُ عَنْكَ نَصَباً ـ تعباً ـ طَوِيلاً، وَاِنَّ أَحَقَّ مَنْ حَسُنَ ظَنُّكَ بِهِ لَمَنْ حَسُنَ بَلاَؤُكَ عِنْدَهُ، وَاِنَّ أَحَقَّ مَنْ سَاءَ ظَنُّكَ بِهِ لَمَنْ سَاءَ بَلاَؤُكَ عِنْدَهُ».

ان مسألة حسن الظن بالرعية من قبل الحاكم تنبع من عملية الاحسان والتكريم لهم، وهي تعبر عن العلاقة الوثيقة والثقة العميقة المتبادلة بين الحاكم والرعية. وبتعبير آخر لا يأتي من فراغ انما هو حقيقة يجسدها السلوك العملي في شخصية الحاكم من خلال احسانه وحبه لرعيته وتجربته الميدانية لهم.

وعلى هذا الأساس لا بد للحاكم والمسؤول من أن يبادر بالاحسان على الرعية والجماعة التي تعمل تحت يده، وعدم تكليفهم بالمهمات الصعبة التي يثقل عليهم أداؤها، وأن ينطلق هذا الاحسان من اشاعة حسن الظن من قبل الحاكم بالرعية وعدم التشكيك بها، لأن سوء الظن وحالة الاتهام والتشكيك بالآخرين يوجب التعب الطويل المستمر للحاكم والمسؤول المتصدي، فلا يجعله يتقدم في برامجه، ولا يستطيع أن ينجز أعماله ومشاريعه العامة.

ولهذا فليس هناك من شئ أقوى وأدوم للعلاقة والثقة بين المسؤول والعاملين معه من الحب النابع من حسن الظن، والاحسان الذي يأتي من خلال التجربة وحسن الاختيار، والممارسة العملية وخصوصاً في المواقف الصعبة، وعلى هذا فان من أحسن الظن بك، فقد أحبك ومن أحبك، فقد أحسن اليك والعكس صحيح.

ذكر ابن أبي الحديد طريفة وهي:(أن أحد خلفاء بني العباس قال لرجل: اطلب حاجتك. فقال: يا أمير المؤمنين أريد أن تحب ولدي. فأجابه الخليفة: كيف أحب ولدك؟ والحب من أفعال القلب وهو ليس بيدي. قال: ان الأمر سهل يا أمير المؤمنين. قال: كيف؟ قال الرجل: أن تحسن الى ولدي، فاذا أحسنت اليه أحبك، واذا أحبك أحببته).

نعم بهذه البساطة يستطيع الحاكم والمسؤول في أي مؤسسة أن يتحبب الى كل العاملين معه، وأن يزرع حبه في قلوبهم، وذلك من خلال احسانه اليهم وتفقده لشؤونهم بحيث يشعرهم بالرحمة والرعاية والشفقة، فاذا فعل ذلك بادروه الحب والعطف والرحمة، لأن الناس أسارى الاحسان.



تاريخ النشر 02/01/2010