خطبة الجمعة 21 ربيع الثاني 1443: الشيخ علي حسن : الخطبة الثانية: بعلزبوب


- (قُلْ أَنَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُنَا وَلاَ يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَىَ وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) [الأنعام:71].
- لا شك أن أعظم نعمة منّ الله عزوجل بها علينا أن هدانا إلى الإيمان بوحدانيته، ورفْض كل الآلهة المزيّفة التي سوّل لها الشيطان، واختلقها الإنسان من وحي خياله الواسع.
- وكما قال تعالى: (إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى) [النجم:23].
- ويعتبر الإيمان بوحدانيته سبحانه القاعدة والأساس الذي قامت عليه منظومة أركان الإيمان والتشريعات والمعارف الإلهية، من قبيل الإيمان بالملائكة والنبوات والكتب السماوية واليوم الآخر، والصلاة والزكاة والحج والصيام، ومسئوليتنا في الحياة، وحقيقة الموت، وصفات الله، وغير ذلك.
- الإيمان بتوحيد الله عز وجل هو الضمانة الأولى لتخليصنا من الأساطير والخرافات، وبمجرد أن يتم الخدش في هذا الركن، تنفتح الأبواب للأوهام الكبيرة منها والسخيفة على حد سواء.
- أعطيكم هذا المثال المضحك لبيان كيف أن الإنسان يستسلم للسخافات حين يتخلى عن إيمانه بوحدانية الله سبحانه.
- في نواحٍ من بلاد الشام، في العهد الذي كانت تنتشر فيه الوثنية، سكان مدينة (عِقرون)
وتسمى اليوم (كريات عقرون) الواقعة جنوب غرب مدينة (الرملة) كانوا يؤمنون بإله يُطلقون عليه اسم (بعل زبوب)، أي إله الذباب، الذي اعتبروه إله الطب، وهو أكبر الآلهة بحسب معتقدهم!
- هذا الذباب الذي يحط بين المزابل، كان الإله الخاص به كبير آلهة الوثنيين في عِقرون، حتى أن الموحّدين في ذلك الزمان كانوا يطلقون عليه عنوان (بعل زبول) نسبة إلى الزبالة.
- وفي مصر القديمة، كان الجِعران (أبو جعل) الذي يُطلق عليه عنوان (خنفسة الروث) إذ يعيش على تناول روث الحيوانات، إله، يُطلق عليه اسم خِبْري، وصنعوا له تماثيل وقدّسوه وجعلوه تميمة.
- إله ثور، وإله أبو جعل، وإله ذبابة، وإله فيل، وإله بقرة، وإله قطة، وإله تمساح.... إلخ، هكذا تستسخف الوثنية عقل الإنسان حتى تجعله أسفل سافلين، وتشاهدون كل عام كيف يتمرغ بعضهم بروث البقر، ويتبركون به، ويقيمون لذلك احتفالاً سنوياً!
- الغريب أن بعض مَن يعتبرون أنفسهم من دائرة المثقفين وأصحاب فكر تقدّمي وتنويري يتأوّهون اليوم حسرة على العهد الجاهلي، ويعدّونه عهد فخر للعرب، وأنه العهد الذي ظلمه المسلمون، على الرغم من أنه كان عهد رقي إنساني!
- في حين أن الله تعالى يقول في وصف جانب من سلوكياتهم: (كَلاَّ بَل لّا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ، وَلا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ، وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلا لَّمًّا) [الفجر:17-19].
- وجاء في خطبة الزهراء(ع): (وكنتم على شفا حفرة من النار، مُذقة الشارب، ونهزة الطامع، وقبسة العجلان، وموطئ الأقدام) كان الأمر يسيراً على من يريد أن يغزو ديارَكم ويذلّكم لشدة ضعفِكم وتشرذمِكم (تشربون الطرق) الماء الذي بالت فيه الإبل (وتقتاتون القِدَّ والورق. أذلّةً خاسئين. تخافون أن يتخطفكم الناس مِن حولكم، فأنقذكم الله تعالى بمحمد [ص]).
- ومن هنا، كان إحياء أمر الآلهة المختلَقة بتسمية الأبناء بأسمائها، أو الثناء على العهد الجاهلي وتعظيم شأنه، أو بث الروح في بعض خصوصيات ذلك العهد، أو الاستلهام من معتقداته، أو اتباع بعض تعاليمه وممارساته الجسدية أو الروحية، من أشد التناقضات التي يقع فيها الإنسان المؤمن بوحدانية الله.
- وقد لا ينتبه أحدُنا إلى ذلك، أو قد يردد ويلتزم بما يُملَى عليه تحت عناوين حداثوية، أو قد يُضفي عليه صبغةً معيّنة بعيدة عن المسألة الدينية، بينما الواقع الذي لا مفرّ منه أن هذا الفرد قد وقع فيما حاول الهروب منه.
- ومثال ذلك انبهار بعض شبابنا بالبوذية والثناء على متبنياتها، بتصوّر أنها الطريقة التي تحقق السلام مع النفس ومع ما حولنا، وأنها عقيدة السلام، في غفلة عن جرائم البوذيين في كمبوديا وسريلانكا وميانمار وغيرها بدافع ديني وعقائدي.
- وكذلك ما انتشر في مجتمعاتنا خلال السنوات الأخيرة تحت عنوان (الشاكرا) أو مراكز الطاقة والقوة في الإنسان، وهو تصوّر ومعتقَد مأخوذ من النصوص الهندوسية وانتقل إلى البوذية وغيرها، ويُستخدم في الأساس كطقوس وممارسات دينية خاصة ترتبط بالهندوسية والبوذية وغيرهما.
- ومن أجل خداع الناس وتسويق هذا المعتقَد، تم ربط الشاكرا بالقرآن الكريم، وادّعاء دور القرآن الكريم في فتح شاكرات الطاقة عند الإنسان، كنوع من العلاج بالطاقة من خلال كتاب الله!
- إن ما يقوم به البعض من العرب والمسلمين من تلميعِ صورة العهد الجاهلي بوثنيته وخرافاته وأساطيره هو بمثابة الترويج لعهدٍ أباده الله سبحانه بتكريمنا برسالة محمد (ص)، وهذه الردّة الحضارية كفرٌ بنعمة التوحيد التي على أساسها تقوم منظومة أركان الإيمان والتشريعات والمعارف الإلهية، ونحن، وأجيالنا القادمة أوّل الخاسرين.