أما من تعاط مختلف مع عاشوراء؟ (2 من 2) ـ مقال للسيد محمد القزويني

قدمت في القسم الأول بعض المسئوليات الملقاة على عاتقنا تجاه إقامة المجلس الحسينية، ونكمل الحديث في القسم الثاني كما يلي: أما المسؤولية الثانية التي على أصحاب الحسينيات القيام بها فهي ضرورة عرض قضية عاشوراء بأسلوب يتماشى مع عظمة الذكرى، ولا يعني ذلك التخلي عن الأسلوب التقليدي الذي درجت عليه في إحياء الذكرى فهذا من الأمور المطلوبة، لكن لابد من إيجاد وسائل أخرى تسهم في عرض عاشوراء كقضية لا مجرد مأساة وأن تخاطب العقول كما تخاطب العواطف فمخاطبة العواطف أصبحت هي وللأسف هي السائدة، بل أضحت هي الهدف فضاعت في ذلك رسالة الحسين ودعوته الخالدة (لطلب الإصلاح في أمة جدي .. ولآمر بالمعروف وأنهى عن المنكر) وأغفل تشخيصه للسبب الموجب لحركته (ألا ترون إلى الحق لا يعمل به وإلى الباطل لا يتناهى عنه ليرغب المؤمن في لقاء ربه محقاً فإني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برماً). إن هذه ليست مجرد كلمات عرض بها لسان الإمام الحسين بل هي الرسالة التي يريد للمسلمين أن يعيشوا في إطارها والحقيقة التي تعمر بها نفوسهم. فالخطباء عادة يمرون على هذين المبدئين مرور الكرام أو أنهم يربطونهما بواقع معين أو زمن خاص فلا يعود لهما ذلك الواقع والأثر الذي فهمه شهداء كربلاء وسعوا إلى ريه بدمائهم الزاكية، في حين أنهما يصلحان لكل زمان ومكان صلاحية الإسلام العظيم. ومن هنا على الحسينيات أن توظف من الأساليب ما يؤكد هذه الحقيقة ويعزز هذا المبدأ في النفوس وينشر هذه الرسالة بين أبناء الإسلام بالإضافة إلى بيان ما يعنيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وضرورته للحياة. فهذا الجانب من الإسلام لم يلق الاهتمام الكافي من المسلمين سواء في بيانه وعرضه أو حتى في تطبيقه، بل غدا ميداناً للفهم الشخصي والذوق الفردي كل يأخذ منه ما وافق هواه و انسجم مع وعيه وفهمه.
إن صورة عاشوراء التي تركز وترتكز في الأذهان لا تعدو أكثر من كونها مأساة يجب أن تُحيا بالدموع وفجيعة لابد من إبراز الحزن فيها والتعبير عنها بأساليب عاطفية، وإن اتخذت مظاهر عنيفة أو دامية. نعم إن الحزن والأسى جزء أساسي في عاشوراء لكنهما ليسا حزن وأسى الضعيف المغلوب على أمره، وإن الألم والمأساة أركان قضية كربلاء لكنهما ليسا ألم الخائف من الموت المتردد في مواقفه، وإن أي تصوير لخطب الإمام الحسين وصحبه وأقوالهم يوم عاشوراء على أنها محاولات استعطاف أو دعوات للسماح لهم بالعودة من حيث أتوا لهو من أكبر الأوهام، وهذا الإمام الحسين يقول (ليرغب المؤمن في لقاء ربه محقاً) ويقول في موقع آخر (من لحق بنا استشهد ومن تخلف لم يبلغ الفتح) فأي فتح هذا الذي يتحدث عنه رجل بينه وبين النحر والذبح سويعات وياله من فتح؟! وأين موقع الخوف والألم الذي تحاول بعض أحاديث عاشوراء الإيحاء به في ذلك. إن رسالة الحسين ودعوته بحاجة إلى أساليب متعددة لبيانها وزرعها في النفوس؛ أساليب تتنوع بتنوع الأفهام وتختلف باختلاف العقول. من هنا على الحسينيات أن تنوع في طرائقها وأن تبدع في وسائلها لإيصال تلك الرسالة لجموع المتعطشين إلى فكر الحسين وخلقه وهديه وأن تتيح المجال للقادرين على استخدام الوسائل الحديثة للاتصال لإيصال رسالة عاشوراء البناءة والمؤثرة لكافة أبناء الإسلام بطرق حديثة ومنطق يتواءم مع العصر ومستوى التفكير، فلا تعود عاشوراء حديث العجائز بل منار الهداية ومنبع الفكر والعطاء وأصل أصيل من التواصل الإسلامي الواسع وحينها يكون التعاطي مع عاشوراء رسالياً بناءً.