ذهب مع الريح ـ مقال للشيخ علي حسن غلوم

قال تعالى في كتابه الكريم (وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ * وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَرًا وَرِئَاء النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) الأنفال: 46-47.
تأتي الآيتان في أجواء معركة بدر لتقدم المواعظ والوصايا الإلهية التي تضع للقوة قواعدها وأخلاقها، لأن الله يريد للمقاتلين في أيّة معركةٍ أن لا يعتبروها مجرد ساحةٍ للقتل والقتال، بل لبناء الإنسان ـ أيضاً ـ على قاعدةٍ روحيّةٍ تنطلق مع الله في آفاق الخير والقوة.
أسباب النزاع:
الآية الأولى تحذر المؤمنين من التنازع، وتعود أسباب التنازع بينهم ـ على الرغم من افتراض إيمانهم جميعاً إلى حب الذات، أو الجهل أو التعصب. ومهما كانت الأسباب فإن النتيجة واحدة: الضعف وفقدان شروط النجاح وبالتالي الفشل. وهنا تعبير رائع لتصوير الفشل بحركة حية، فالنجاح بمثابة امتلاك الريح التي تنحت في الصخر لتحقق النتيجة المطلوبة، والفشل بمثابة فقدان تلك الريح واستبدالها بالهواء الكسول الخامل الذي لا يمثّل أية قوة تغييرية. فما الذي يحقق الانتصار في مواجهة التحديات.. الريح العاصفة أم الهواء الكسول؟ إن التنازع ـ أيها المؤمنون ـ سيُفقدكم تلك الريح القوية الفاعلة، ولن تملكوا حينئذ القدرة على التغيير والتأثير وتحقيق الانتصار.
الصبر:
ثم يأتي الصبر كقوة أخرى في المواجهة، وليس الصبر على مواجهة العدو فقط، بل والصبر عند التنازل عن بعض القناعات لئلا يقع التنازع، والتنازل عن بعض المصالح الشخصية والفئوية للحفاظ على وحدة الكلمة.
وصف المشركين:
وفي المقابل تقدم الآية صورة المشركين القادمين للقتال، وتنهى عن التشبه بأوصافهم، فهم يعيشون البطر (الطغيان في النعمة) والرياء (لا إخلاص يدفع الإنسان إلى التضحية وبذل الجهد، بل مجرد استعراض للقوة أو إرضاء للبعض أو تحقيق مكاسب شخصية) والصد عن سبيل الله (والضغط على المصلحين).
نحن والآية:
الآن إذا استثنينا أجواء القتال والحرب والنزاع بين الإسلام والشرك، وأخذنا الصور والعناوين الواردة في الآيتين، فإلى أي مدى تنطبق على الوضع الداخلي الذي تشهده الكويت هذه الأيام على المستوى السياسي وتبعاته الإدارية والاقتصادية والتعليمية والرياضية وغيرها في ظل الأجواء المشحونة والعمل على تمزيق الساحة بعناوين مذهبية وعنصرية.. إلخ؟
التنازع، الفشل في التنمية، بطر النعمة، الرياء وعدم الإخلاص للصالح العام، تجيير المواقف السياسية لصالح أفراد معينين أو تكتلات معينة وإن كان على حساب البلد، الصد عن الحق وأهله، ممارسة الضغط ضد المخلصين لتشتيت أصواتهم وإضعاف مواقفهم.. كلها صور حاضرة في المشهد الكويتي المعاصر، والكل مجمع على أن الكويت قبل الثمانينيات من القرن الماضي كانت تسير في الاتجاه الصحيح تنموياً.. كانت هناك سرقات وكان هناك فاسدون ومصلحيون وفئويون، ولكن الحركة الأوضح والأقوى كانت التنمية. أما اليوم فالصورة معكوسة.
ونأمل أن يصدق حدس بعض السياسيين الذين يقولون أنه بعد جلسة الاستجواب الأخيرة دخلت الكويت ـ سياسياً ـ في منعطف سياسي مهم، وأنه بإمكان المخلصين الآن ـ في الحكومة والبرلمان ـ العمل على أرض صلبة، وأن هذه هي فرصتهم لانتشال البلد مما تعاني منه.. نتمنى ذلك لئلا تذهب ريح الكويت إلى الأبد.. هذه الريح التي لم يتبقّ منها إلا القليل.