خطبة الجمعة 10 صفر 1443: الشيخ علي حسن : الخطبة الثانية: الإفلاس الأخروي

- قال تعالى: (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ، لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ، فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ، فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ) [المؤمنون:99-103].
- بماذا نقابل الله تعالى في الآخرة؟ ماذا أعددنا لهذا اللقاء؟ ما الذي سيوضع في ميزان الحساب؟
- ميزة هذا الميزان الأخروي الذي يُقيّم عمل الإنسان أنه لا يقبل كل ما قدّمه الإنسان في حياته، بل لابد أن تكون صفة هذا العمل أنه (حق) كي يوضع في الميزان ويُحتسب له: (وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُم بِمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ) [الأعراف:8-9].
- هناك الكثير من الأمور قد تكون مسلّية بالنسبة إلينا، وقد تكون من الهوايات، بل لربما حتى مهنة، ولا بأس بذلك، ولكن يا ترى لو وُضعت تلك الإنجازات في ميزان الحساب الأخروي، هل ستكون صفتها (الحق) ليَسمح لها بأن توزن ويكون لها تأثير إيجابي على مصير الإنسان في الآخرة... هذا هو السؤال المهم.
- أنا لا أريد أن أقول أن علينا التخلي عن هواياتنا أو اللهو البريء والتسلية والترفيه، بل هي مطلوبة إلى حد ما للتخفيف على النفس، ولكن الاستغراق فيها إلى حدٍّ كبير يخالف الغاية التي من أجلها خُلقنا، فالوجود كله مبنيٌّ على أساس الحق: (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ) [الأنعام:73]، ولذا سيكون الاستغراق في الترفيه واللهو مدعاة للندم في الآخرة حين لا يجد الإنسان وزناً لذلك كله مما أنفق فيه وقتَه وصحتَه وجهدَه وتفكيرَه.
- قبل أيام كنت أستمع إلى لقاء قديم مسجل لأحد المفكرين الإسلاميين وله مؤلفات كثيرة، يقول بعد سنين من العمل في مجال التأليف وإلقاء المحاضرات بدأت أفكّر: بماذا أقابل ربي في الآخرة؟ بقليل من الكلام؟ لاعب الكرة، هل يريد أن يقابل ربه وكل محصوله من الحياة تلك الأهداف التي سجلها في شباك الخصم؟ المغنّي... هل يريد أن يقابل ربه بأغانيه؟ لاعب الجمباز.. هل يريد أن يقابل ربه بحركاته على العارضة؟ الملاكم... هل يريد أن يقابل ربه بالبوكسات التي وجَّهها إلى الخصم؟ لابد من عمل صالح، فالله يقول: (لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا) [النور:38].
- وكلما كان العمل قابلاً للامتداد في الزمن كان أفضل. من هنا انطلق في إنشاء المشاريع
الخيرية، كالمراكز الطبية ومسجد، وأضاف أنه من المدهش أنني بمجرد أن مددت يدي للعمل، وجدت أن ألف يد تمتد معي لتعينني في إنجاز تلك المشاريع، وتيسيرات غريبة في كل مشروع.
- الحياة في هذه الدنيا فرصةٌ لن تتكرر للفرد، ومتى ما جاء الموت المحتوم لم يعد هناك أيُّ مجال للتراجع... فليفكّر كلٌّ منّا فيما سيقدّمه بين يدي الله عز وجل عندما يحين دورُه لتوزن أعمالُه، فكثيرٌ مما نشغل به حياتَنا لا وزن له في الآخرة، لأنّ الله يقول: (وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ)، ولا طائل يومئذ من الندم.