خطبة الجمعة 10 صفر 1443: الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: وقفة مع الإمام المجتبى

- عن الحسن (ع): (دخلت على أمير المؤمنين (ع) وهو يجود بنفسه، لمّا ضربه ابن ملجم، فجزعت لذلك، فقال: أ تجزع؟ فقلت: وكيف لا أجزع وأنا أراك على حالك هذه؟ فقال (ع): ألا أعلّمك خصالاً أربع، إن أنت حفظتَهُنّ نلتَ بهنّ النجاة، وإن أنت ضيعتَهنّ فاتك الداران: يا بنيّ، لا غنى أكبرُ من العقل، ولا فقر مثلُ الجهل).
- مهما تصوّر الإنسان أنه غَني، يبقى في واقع الحال فقيراً محتاجاً... لو قطعوا الأوكسجين عن أثرى أثرياء العالم، فما قيمة كل ما يملك؟ وماذا لو قطعوا الماء عنه؟ أو الطعام؟ أو العافية؟ أو
الأمن؟ الإنسان بحاجة إلى كل هذا وغيره، فهو في الواقع في عين غناه فقير محتاج.
- وهذا ما ترجمه الحسن (ع) حين سئل: (كيف أصبحت يا ابن رسول اللّه؟ قال‏: أصبحتُ ولي ربّ فوقي، والنار أمامي، والموت يطلبني، والحساب مُحدِق، وأنا مرتَهَن بعملي، لا أجد ما أحبُّ ولا أدفعُ ما أكرَه والأمور بيد غيري فإن شاء عذّبني وإن شاء عفا عنّي، فأيّ فقيرٍ أفقرُ منّي؟).
- مسألة الفقر والغنى لا تتعلق بالمال فحسب، فقد يكون الإنسان فقيراً من الناحية المادية، ولكنّ نفسَه غنية. كنت في سفر بين النجف وكربلاء، وبالقرب من نقطة تفتيش كان أطفال العوائل المهجرة من جهة الموصل عند احتلال داعش لتلك المناطق منتشرين يبيعون الماء، وهم في حالة يُرثى لها نتيجة التهجير والحر والمخاطرة بالتجول بين السيارات. فاقتربت طفلة في حدود الثامنة من عمرها، وعرضت الماء، فأعطيتها مبلغاً وبيّنت لها أني لا أريد الماء، ولكنها رفضت أن يكون ما قدمْت لها مساعدة، ورمت زجاجة الماء داخل السيارة وابتعدت! هكذا كانت في شدة الفقر
المادي، ولكن من حيث غنى النفس كانت في أعلى مراتبه.
- من هنا يبيّن لنا الإمام (ع) حين قال: (لا غنىً أكبرُ من العقل، ولا فقرَ مثلُ الجهل) ضرورة الالتفات أوّلاً إلى أن معيار الغنى والفقر لا يكون فقط بالحسابات المادية، فمن يملك العقل الراجح والحكمة والبصيرة فإنه أغنى الأغنياء، ومن لا يملك العلم ويكون جاهلاً فهو أفقر الفقراء.
- ثم قال: (ولا وحشةَ أشدُّ من العجب) لأنّ العجب يأخذ بالإنسان – على سبيل الوهم والخيال – إلى مراتب عالية يترفّع بها على الآخرين، فلا يحتمل أن يصادق أو يعايش أو يتوافق معهم، فتُكتَب له الوحدة، كما أن العجب يدمّر العلاقات الاجتماعية إذ يُنفِّر الناس من المُعجَب بنفسه.
- (ولا عيشَ ألذُّ مِن حُسن الخُلق) هل تريد أن تستمتع بلحظات حياتك؟ هل تريد أن تكون محور محبة الناس؟ عليك إذاً بحسن الخلق، وإذا أردت أن تنكّد عليك حياتَك، فالزم سوء الخلق. وقد روي عن الإمام الصادق (ع) قوله: (من ساء خلقُه عذّب نفسَه) هو يجني على نفسه بنفسه.