من هو النبي إلياس ؟ هل ما زال حيا ؟ ما معنى إل ياسين؟ تفسير سورة الصافات 123-132

وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ ، إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُونَ، أَتَدْعُونَ بَعْلا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ، اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ الأَوَّلِينَ، فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ، إِلاَّ عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ، وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ، سَلامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ، إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ، إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ
- إلياس هو النبي إيليّا، وهو اختصار للاسم (إلياهو) أي: الله الأعلى، أو الله قوي، أو إلهي يَهْوَه. والسين في إلياس لاحقة بلغة اليونانية.
- هو من أنبياء بني إسرائيل، ورد ذكره في العهد القديم وفي كتب اليهود الأخرى كالتلمود والمشناه، وذُكر في العهد الجديد. عاش في أواخر القرن العاشر والتاسع قبل الميلاد.
- والقرينة التي تدل على أنه هو نفسه النبي إلياس المذكور في القرآن الكريم : مواجهته لعبادة الوثن «بعل» على وجه الخصوص بحسب ما جاء في العهد القديم، ومصادر كتابية أخرى.
- لم يذكر في القرآن الكريم إلا في هذا المورد وبصورة مختصرة جداً ولكنها تدل على تعظيم أمره وبقاء ذكره، وفي سورة مكية أخرى هي سورة الأنعام: (وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ، وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ، وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ) [83-85].
- بينما تحدث عنه العهد القديم (التنخ) في سفر «الملوك الأول» و«الملوك الثاني»، كما ذكر في العهد الجديد عدة مرات.
- جاء فيه: (ها أنذا أرسل إليكم إيليا النبي قبل مجيء يوم الرب اليوم العظيم والمخوف) أي قبل يوم القيامة.. ثم يذكر صراعه مع ملك مملكة إسرائيل «أخاب = أحاب = إيهاب» وزوجته «إيزابل» الذيْن نشرا الوثنية بدلاً من التوحيد، لاسيما بتأثير من الزوجة ذات الأصل الفينيقي الوثني، ولضعف شخصية الملك، وحياته اللاهية.
- الملكة حين ذهبت إلى العاصمة (السامرة) أخذت معها صنم البعل و(زوجته) عشتاروت وبصحبة 450 كاهناً وثنياً، وتدريجياً قتلت ما استطاعت من الكهنة الموحدين.
- وهكذا تدخّل النبي إيليّا إذ أنه: (اتقدت غيرته ووبخهما بشدة وعُنف، وحبس السماء عن المطر بصلاته فلم تمطر مدة ثلاث سنين وستة أشهر، فجاع الناس وصار ضيق شديد... و قتل في وادي قيشون الأنبياء الكذبة والكهنة الذين كانوا يسجدون للبعل والأصنام عددهم 450، ثم صعد بعد ذلك إلى رأس الكرمل وصلى إلى الله فهطلت الأمطار. ذهب إلى جبل سيناء... إلى أن وصل جبل حوريب ودخل المغارة التي هناك وتراءى له الرب).
- ثم يتكلم النص الكتابي عن نزول العذاب على المشركين، وانفلاق نهر الأردن واجتيازه مع تلميذه اليشع ماشيين على الأرض اليابسة، ثم نزول مركبة نارية بغتة فصعدت به نحو السماء حيثما نقله الله حياً.
- بحسب الثقافة الكتابية فإن النبي إيليّا يُعد أحد القلائل الذين رُفعوا إلى السماء ليبقى حياً على مرّ القرون، ولذا فهو يُعرف باسم «ملاك العهد» الذي يحضر ختان كل فرد يهودي، لأن الختان يعني انضمام الفرد رسمياً وشرعياً لليهودية، وهناك أنشودة خاصة تتلى لاستدعائه والترحيب به.
- كما ويعتقد أحبار اليهود - بحسب النص التلمودي - أن إيليّا النبي يحضرهم ليعينهم في المواطن التي يجدون أنفسهم فيها أمام معضلة شرعية يعجزون عن حلها.
- وعندما يحضر في مواطن عديدة لا ندركها، تدرك ذلك كائنات حية أخرى كالكلاب عندما نجدها سعيدة من غير سبب ظاهر، وما ذاك إلا لوجود إيليا بالقرب منها.
- في التراث المسيحي عُرِّف إيليا النبي بأنه من كبار رجال الله الأنبياء من سلالة كهنوتية، أي من ذرية هارون بن عمران، وكان زاهداً متنسكاً يقطن في البراري متعبداً في كهوف الجبال.
- شيد المسيحيون على اسمه كنائس كثيرة ويطلبون شفاعته، ويعتقدون بأنه ينجدهم في شدائدهم ويشفي أمراضهم ويسرع إلى إغاثتهم.
- ومن خلال تتبع النصوص الواردة في العهد الجديد يمكن الخروج بانطباع أن النبي إيليا ـــ عند المسيحيين ـــ يمثل شخصية بارزة بين عموم أنبياء بني إسرائيل، لاسيما بلحاظ:
1ـ في النصوص المسيحية أنه سيأتي قبل المجيء الثاني للمسيح ليعينه في مهمته في إرساء دولة العدل على البسيطة، وانتقلت هذه المقولة إلى التراث الإسلامي الروائي لاحقاً.
2ـ النصوص التي تحدثت عن بدء بعثة السيد المسيح ‹عليه السلام› حيث تَصوَّر البعض أنه إيليا المبعوث من جديد.
3ـ النصوص التي تنقل حواراً يدور بين بعض الحاضرين عند صلب شبيه المسيح وسماعهم لهمهمات صادرة عنه وهو ينادي ربه «ياهو» فظنوا أنه ينادي «إيلياهو» أي إيليا.
4ـ النصوص التي تتحدث عن كونه مثلاً للقوة في العزيمة والالتزام بأوامر الله.
5ـ القول بظهوره للمسيح ‹عليه السلام› في حياته الأولى، إذ أخذ ذات يوم ثلاثة من الحواريين وصعد بهم إلى الجبل ليصلي، وفيما هو يصلي تجلى أمامهم النبي موسى والنبي إيليا.
- وفي عالم الأحاديث الإسلامية تطالعنا نصوص عديدة متضاربة في مضامينها، وهي تقترب أحياناً من قصص العهد القديم، وتختلف معها أحياناً أخرى، ومنها ما يشتمل على الغرائب، ومنها ما يدل على أن إيليا هو الخضر، وفي أخرى أنهما شخصان مختلفان.
- قال العلامة الطباطبائي: (ورد فيه ‹عليه السلام› أخبار مختلفة متهافتة كغالب الأخبار الواردة في قصص الأنبياء الحاكية للعجائب كالذي روي عن ابن مسعود أن إلياس هو إدريس، وما عن ابن عباس عن النبي ‹صلى الله عليه وآله›: أن الخضر هو إلياس، وما عن وهب وكعب الأحبار وغيرهما أن إلياس حي لا يموت إلى النفخة الأولى، وما عن وهب أن إلياس سأل الله أن يريحه من قومه فأرسل الله إليه دابة كهيئة الفرس في لون النار فوثب إليه فانطلق به فكساه الله الريش والنور وقطع عنه لذة المطعم والمشرب فصار في الملائكة، وما عن كعب الأحبار أن إلياس صاحب الجبال والبر وأنه الذي سماه الله بذي النون، وما عن الحسن أن إلياس موكل بالفيافي والخضر موكل بالجبال، وما عن أنس أن إلياس لاقى النبي ‹صلى الله عليه وآله› في بعض أسفاره فقعدا يتحدثان ثم نزل عليهما مائدة من السماء فأكلا وأطعماني ثم ودعه وودعني ثم رأيته مر على السحاب نحو السماء إلى غير ذلك. وفي بعض أخبار الشيعة أنه ‹عليه السلام› حي مخلد لكنها ضعاف، وظاهر آيات القصة لا يساعد عليه. وفي البحار في قصة إلياس ‹عليه السلام› عن قصص الأنبياء بالإسناد عن الصدوق بإسناده إلى وهب بن منبه).
- قد يقال أن قوله تعالى (وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ) تأييد لما في العهد القديم والجديد من القول بأنه ما زال حياً وأنه سيخرج في آخر الزمان ليكون من الممهدين للمسيح ‹عليه السلام› كما هي عقيدة أهل الكتاب، وبالتالي من الممهدين له وللمهدي المنتظر ‹عليه السلام› كما هي عقيدة المسلمين؟
1- يجب أن نأخذ بعين الاعتبار أن هذا التعبير لم يرد بخصوص النبي إلياس فقط، فقد ورد قبله بحق النبي نوح ‹عليه السلام› إذ قال ‹عز وجل›: (وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ، وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ، سَلامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ)، وفي حق النبي إبراهيم ‹عليه السلام› إذ قال ‹عز وجل›: (فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ، وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ، قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا، إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ، إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ، وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ، وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ، سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ، إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ)، مما يجعلنا نبتعد عن الاحتمال السابق، إذ لا يدّعي أحد أن نوحاً وإبراهيم ‹عليهما السلام› على قيد الحياة، أو سيرجعان في آخر الزمان.
2- قال العلامة الطباطبائي في شأن الآية الخاصة بالنبي نوح: (إنا جزينا نوحاً بما كان عبداً شكوراً لنا أنّا أبقينا دعوته وأجرينا سنته وطريقته في ذرية من حملناهم معه في السفينة، ومن ذلك أنّا أنزلنا على موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل).
3- وقال بخصوص الآية عند ذكر إبراهيم: (وقد بدلت في القصة بعينها من سورة الشعراء من قوله: [وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ] «الشعراء:84»، واستفدنا منه هناك أن المراد بلسان صدق كذلك أن يبعث الله بعده من يقوم بدعوته ويدعو إلى ملته وهي دين التوحيد. فيتأيد بذلك أن المراد بالإبقاء في الآخرين هو إحياؤه ‹عليه السلام› دعوة نوح ‹عليه السلام› إلى التوحيد ومجاهدته في سبيل الله عصراً بعد عصر وجيلاً بعد جيل إلى يوم القيامة).
- سَلامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ: احتار المفسرون في المراد من هذا التعبير، هل يراد من (ياسين) اسم والد إلياس؟ أم المراد النبي محمد (ص) مع تغيير (إل) إلى (آل) كما في قراءة نافع؟ أم أنه جمع (إلياس)، والمراد قومه المؤمنون على نحو التغليب، كما يقال علي وعلويون.
- ولعل الأصح هو ما ذكره الألوسي في (روح المعاني) أنه نوع من التصرف في الاسم غير العربي كما في قوله تعالى: (وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاءَ تَنبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِّلْآكِلِينَ) [المؤمنون: 20]، تقابلها (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ، وَطُورِ سِينِينَ).
- أما لماذا هذا التغيير، فلعل الأصح هو ما ذهب إليه الزمخشري في الكشاف حيث اعتبر أن اختيار هذا التعبير عن الشخص رعاية للفواصل (الْمُخْلَصِينَ، فِي الآخِرِينَ، سَلامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ، الْمُحْسِنِينَ، الْمُؤْمِنِينَ)، كما في (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ، وَطُورِ سِينِينَ، وَهَذا البَلَدِ الأمِينِ).