خطبة الجمعة 26 محرم 1443: الشيخ علي حسن : الخطبة الثانية : ديركس: ثم اهتديت

- لا أريد بكلامي الآتي أن أذكر قصة أو أن أزكّي شخصاً بعينه، بل أريد أن أبيّن للشباب المسلم الواقع تحت ضغط إعلامي رهيب لتشويه صورة الإسلام والقرآن والنبي (ص)، عظمة دينهم وقرآنهم، لا من خلال شهادت داخلية، بل من خلال ما توصّل إليه بعض أهل الاختصاص ممّن تحلوا بالإنصاف، فبحثوا بتجرّد، ثم توصلوا إلى هذه الحقيقة بلا مواربة، والدكتور القس الأمريكي جيرالد ديركس Jerald F. Dirks من هذه النماذج.
- قسيس أمريكي نشأ كمسيحي متدين، وكان ناشطاً في الخدمة الكنسية، ثم التحق بجامعة هارفرد، قسم اللاهوت، وتفوّق في دراسته، وقام بتقديم المواعظ في الكنيسة وهو ما زال طالباً جامعياً.
- حصل في نفس الجامعة على الماجستير في تخصصه عام 1974، وعُيِّن قسيساً، وتميّز في أداء مهامه، فارتفع عدد الحضور بصورة لم تشهدها تلك الكنائس منذ عدة سنوات، ولكنه في نفس الوقت كان يعيش صراعاً داخلياً بين ما اكتشفه – وأقرانه – وبين إيمانه بالمسيحية التقليدية.
- المفارقة – كما يقول – أن التعليم اللاهوتي المميز – كشف أكبر قدر من الحقائق التاريخية حول تشكّل المسيحية، وتوفرت لديه نصوص ومصادر لا يطّلع عليها عامة المسيحيين، حول تطور فكرة الثالوث، والخلفيات الوثنية واللادينية وراء العديد من العقائد والمفاهيم المسيحية الحالية.
- ومن هنا ليس من المستغرب – بحسبه- أن غالبية الخريجين من هذه الكلية يتهرّبون من الوعظ لاحقاً، حيث سيُطلب منهم الوعظ بما يعرفون أنه باطل، فيتوجّهون للعمل في مهن موازية.
- لذا انتقل ديركس لدراسة علم النفس ونال الماجستير والدكتوراه في هذا المجال وترك الوعظ.
- يقول: صرت أحضر الكنيسة بشكل متقطع جداً، وكنت أصرّ أسناني بينما كنت أستمع إلى خطبٍ تتضمن ما كنت أعرف أنه لم يكن صحيحاً بل هي مجرد أباطيل.
- بدأ يتواصل مع بعض الجالية المسلمة المحلية ابتداء بصيف 1991، فكانت دعوتهم له للإسلام دعوة بغير ألسنتهم انسجاماً مع قول الإمام الصادق (ع): (كونوا دعاة للناس بغير ألسنتكم، ليروا منكم الورع والاجتهاد والصلاة والخير، فإن ذلك داعية). وكان لهذا الأسلوب أكبر الأثر عليه، لاسيما حين طلب منه صديقه المسلم الزائر أن يسمح له بالوضوء وشيئاً نظيفاً ليصلي عليه.
- فبدأ يعيد قراءة ما لديه من كتب عن الإسلام، وترجمتين للمصحف الشريف، واقتنع – بعد سنة تقريباً - بنبوة النبي محمد (ص)، كما اقتنع من قبل أن لا إله إلا الله، واكتشف بأن لديه الكثير من القواسم المشتركة مع المفاهيم الإسلامية... ولكنه تريّث ولم يعلن إسلامه.
- وبعد أشهر، بدأ تجربة صيام شهر رمضان، والصلاة اليومية، ثم أشهر إسلامه، وألّف عدداً من الكتب، وبدأت بعض الضغوطات وردود الفعل السلبية من أصدقائه وزملائه في العمل تمارس بحقه، حتى فقد عدداً منهم، كما فقد جزء ملحوظاً من مدخوله في مجال عمله بسبب مقاطعته.
- إلا أن كل هذه التبدلات والضغوطات لم تُثنه عن الاستمرار في طريق الهداية، وأعانته على ذلك زوجتُه التي شاركته قناعاتِه الجديدة وإيمانَه.
- وله جملة رائعة كتبها في نهاية مقالةٍ يشرح فيها كيفية هدايته إلى الإسلام، قال: (التضحيات كانت ثمناً بسيطاً في مقابل ما حصلتُ عليه) أي الهداية إلى الإسلام (بالنسبة لأولئك الذين يفكّرون في قبول الإسلام، قد تكون هناك تضحيات على طول الطريق. فعليهم أن لا ينزعجوا منها كثيراً... إن شاء الله، سيجدون أن هذه التضحيات تعتبر ثمناً بسيطاً جداً في مقابل "البضاعة" التي يشترونها).
- إن نموذج إسلام القس جيرالد ديركس بعد دراسة القرآن الكريم والاطلاع العلمي على مفاهيم الإسلام ومبادئه وقِيَمِه يُعتبر من النماذج الجديرة بالعناية والنشر بين الشباب المسلم، مما يعزّز الثقة لدى الشباب بدينهم وقرآنهم، ولربما يدفعهم نحو تقديم الإسلام إلى الآخرين بحماسة، ليس بالضرورة من خلال النقاشات والمحاضرات، بل بالتزامهم بمبادئ الإسلام وأخلاقياته ومفاهيمه الإنسانية، تماماً كما قال إمامنا الصادق (ع): (كونوا دعاة للناس بغير ألسنتكم، ليروا منكم الورع والاجتهاد والصلاة والخير، فإنّ ذلك داعية).