خطبة الجمعة 26 محرم 1443: الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: إنك لا تهدي من أحببت

- من دعاء الإمام زين العابدين (ع) عند ختم القرآن: (وَاجْعَلْنَا مِمَّنْ يَعْتَرِفُ بِأَنـَّهُ مِنْ عِنْدِكَ، حَتَّى لاَ يُعَارِضَنَا الشَّكُّ فِي تَصْدِيقِهِ، وَلاَ يَخْتَلِجَنَا الزَّيْغُ عَنْ قَصْدِ طَرِيقِهِ).
- نحن قد وُلدنا مسلمين، وآمنّا تلقائياً بأن القرآن كتابُ الله عزوجل المنزل على نبيه محمد (ص)، إلا أن هذا الإيمان الذي ورِثناه قد يهتزّ مع تشكيكات المشكّكين، وقد تتكاثر أمام أعيننا أسئلةُ المتحيّرين، وقد تؤثِّر في قناعاتِنا كلمات المعادين، وهذا يستدعي أوَّلاً السعي للإيمان به عن قناعة ودليل، وثانياً أن نستمد العون من الله في هذا الطريق.
-(اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِـهِ، وَاجْعَلْنَا مِمَّنْ يَعْتَصِمُ بِحَبْلِهِ، وَيَـأْوِي مِنَ الْمُتَشَـابِهَاتِ إلَى حِـرْزِ
مَعْقِلِهِ، وَيَسْكُنُ فِي ظِـلِّ جَنَاحِهِ، وَيَهْتَدِي بِضَوْءِ صَاحِبِهِ، وَيَقْتَدِي بِتَبَلُّج إسْفَارِهِ، وَيَسْتَصْبحُ بِمِصْباحِهِ، وَلا يَلْتَمِسُ ألْهُدَى فِي غَيْرِهِ).
- هناك نموذج من أهل الكتاب المنصفين الذين عندما اطلعوا على حقيقة القرآن الكريم آمنوا به، ولم يكابروا، وعاشوا هذه الحالة التي وصفها الإمام زين العابدين (ع) في دعائه، بحيث صار القرآن مرجعَهم الذي يقتدون به ويهتدون بنوره.
- قال تعالى: (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ) قبل القرآن (هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ، وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّنَا) لأنهم يعرفون صدقة من مقارنته بما يعرفونه من الكتاب (إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ) إذ كنا نؤمن بما في القرآن من مفاهيم وتعاليم وحكمة وقيم، ولما اطّلعنا على القرآن وجدنا أن ما في أنفسنا وعقولنا يلتقي مع ما جاء فيه.
- (أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا) جرّاء المشاكل والمصاعب المترتبة على إعلانهم الإيمان برسالة محمد (ص)، لاسيما ومن الواضح أنهم ليسوا من عامة الناس، ولذا فإن ردود الفعل
على إسلامهم تكون أقوى، خوفاً من تأثيرهم على غيرهم.
- ولكنهم مع كل ما يواجَهون به من ردود فعل سلبية ولربما عنيفة نتيجة إيمانهم تجدهم (وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ) فيدفعون الكلمة الخبيثة بالكلمة الطيبة، والأسلوب القاسي بالأسلوب اللّين (وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) فمن الشكر العملي لله الإنفاق في سبيله، كما يسعون لتأليف القلوب بذلك.
- (وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ) فهم يتناقشون مع الآخرين بالتي هي أحسن، فإذا صارت الأجواء أجواء لغو، لا تُرجى أية نتيجة إيجابية من خلالها، وأصبح الجدال فيه عقيماً وغير علمي ابتعدوا (وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ) فلن يصدر عنهم تجاه الآخرين أي أذى على الرغم من الاختلاف القائم بين الطرفين (لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ) لقد اخترنا الابتعاد عن الجاهلين حتى لا نستغرق في جهلهم فنكون مثلهم.
- (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ) فكم من أناس تتمنى هدايتهم وتعمل على ذلك دون نتيجة، وهذا لا يعني بالضرورة أنك فاشل، أو أن عملك غير مخلص لله، لأن مسألة الهداية ترتبط بعناصر ومقومات عديدة، وكثير منها خارج عن سيطرتك، نعم لو أراد الله أن يهدي أحداً فلن تتخلَّف إرادتُه عن ذلك، (وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) [القصص:52-56] لأنه مالك كل شئ، وهو أعلم بخصائص الناس وقابليتهم للهداية.
- هذه الآيات الشريفة تمثّلت لديّ في قصة إسلام قسيس أمريكي معاصر.. فما هي قصة هدايته؟ وكيف تعامل مع أجواء ما بعد اكشتاف الحقيقة؟ وكيف يستفيد شبابُنا المسلم من ذلك؟ هذا ما سأتحدث عنه في الخطبة الثانية بإذن الله تعالى.