نفوس مريضة - مجلس الحسينية الكاظمية - الكويت 1443 هـ

- نموذجان من الناس وُجدا على الدوام في المجتمعات البشرية، نموذج الإنسان الإطفائي الذي يسعى للإصلاح بين المتخاصمين وتقريب وجهات النظر، ونموذج المجرم الذي يشعل الخصومات أو يزيدها اشتعالاً.
- وقد اعتبرت النصوص الإسلامية النموذج الأول من أرقى النماذج الإنسانية وجعلته في مرتبة المجاهدين، ففي الحديث: (إنَّ أَجرَ المُصلِحِ بَينَ النّاسِ كَأجرِ المُجاهِدِ بَينَ أَهلِ الحِربِ).
- وللسجاد(ع) توصيف جميل لسلوك المؤمن الذي يطلب مكارم الأخلاق حيث قال: (اللهم وَحَلِّنِي بِحِلْيَةِ الصَّالِحِينَ، وَأَلْبِسْنِي زِينَةَ المُتَّقِينَ فِي بَسْطِ العَدْلِ، وَكَظْمِ الغَيْظِ، وَإِطْفاء النَّائِرَةِ، وَضَمِّ أَهْلِ الفُرْقَةِ، وَإِصْلاحِ ذاتِ البَيْنِ وَإِفْشاء العارِفَةِ وَسَتْرِ العائِبَةِ وَلِينِ العَرِيكَةِ وَخَفْضِ الجَّناحِ وَحُسْنِ السِّيرَةِ وَسُكُونِ الرِّيحِ وَطِيبِ المُخالَقَةِ وَالسَّبْقِ إِلى الفَضِيلَةِ وَإِيْثارِ التَّفَضُّلِ وَتَرْكِ التَّعْيِيرِ وَالاِفْضالِ عَلى غَيْرِ المُسْتَحِقِّ، وَالقَوْلِ بِالحَقِّ وَإنْ عَزَّ، وَاسْتِقْلالِ الخَيْرِ وَإِنْ كَثُرَ مِنْ قَوْلِي وَفِعْلِي).
- بينما اعتبرت النصوص النموذج الثاني من أسوأ النماذج، وفي الحديث النبوي: (إِنَّ أَحَبَّكُم إِلى اللهِ الَّذِينَ يُؤلَفُونَ وَيَألِفُونَ، وإِنَّ أَبغَضَكُم إِلى اللهِ المَشّاؤونَ بِالنَّمِيمَةِ المُفَرِّقُونَ بَينَ الإخوانِ).
- وفي آخر أن النبي (ص) قال لأصحابه: (أَلا اُنَبِّئُكُم بِشَرارِكُم؟ قَالُوا: بَلى يا رَسُولَ اللهِ. قالَ: المَشّاؤُونَ بِالنَّمِيمِةِ، وَالمُفَرِّقُونَ بَينَ الأَحِبَّةِ، الباغُونَ لِلبُرءاءِ المَعايبِ).
- النميمة تكشف عن أن الماشي بها:
1. ذو نفسية مريضة وشخصية معقدة.
2. وأنه يعاني من عدم الراحة النفسية حين يرى أحداً يتمتع بنعم الله، ومنها نعمة العلاقات الإيجابية قائمة بين اثنين أو أكثر.
- فيكون سعيه لإفساد ذلك:
1- أملاً في إطفاء شئ من نيران الحقد التي تتقد في صدره.
2- أو رغبة في أن يعاني الآخرون كما يعاني هو.
- والنمّام وإن قد ينجح في بعض سعيه، ولربما يشعر براحة كاذبة لفترة وجيزة، إلا أنه يحكم على نفسه بالإقصاء الاجتماعي تدريجياً ليتحوّل في النهاية إلى شخصية منبوذة، وفي الحديث عن أمير المؤمنين علي (ع): (من سعى بالنميمة حاربَه القريب، ومقتَه البعيد).
- وسقوطه الاجتماعي قد يمتد إلى أكثر من جهة، وفي الحديث (لا تَجتَمِعُ أَمانَةٌ وَنَمِيمَةٌ) فمن لا يكون مؤتمناً على الكلام لن يكون مؤتمناً على المال.
- ولعل إلى هذا التدمير الذي يمارسه النمّام لنفسه - كما يدمّر غيره - وفي أبعاد متعددة أشار الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع) بقوله: (الساعي قاتلُ ثلاثة: قاتلُ نفسه، وقاتلُ من يسعى به، وقاتلُ من يسعى إليه).
- ثم إن لفداحة هذه الجريمة نجد أن النصوص تؤكد على العذاب المغلّظ أيضاً للنمامين، فعن النبي الأكرم (ص): (يا أَبا ذَر، صاحِبُ النَّمِيمةِ لا يَستَرِيحُ مِنْ عَذابِ اللهِ فِي الآخِرَةِ).
- والنميمة قد تنشأ في كثير من الأحيان عن الحسد. والحسد يمثّل صورة من صور أكل الإنسان نفسَه! قال أرسطو: (الحسود يأكل نفسه كما يأكل الصدأ الحديد).
ــــ لا نقصد هنا ما يُعرف بتأثير العين، فذاك أمر آخر، قد يكون حقيقة، وقد يكون وهماً.
ــــ بل نقصد الحسد بمعنى أن يتمنّى الإنسان ـــ عن قصد ـــ زوال النعمة من الآخرين، ويسعى في هذا الاتجاه، إما على:
- مستوى الكلام، بالغيبة أو النميمة أو البهتان مثلاً
- أو على مستوى الفعل، بالعدوان على الممتلكات أو الاعتداء الجسدي (إلى حد القتل).
ـــ لابد أن نلاحظ أن هناك ارتباطاً وثيقاً ما بين بلوغ الأنا مستويات عالية جداً بحيث تتحوّل إلى عُجُب، وإحساس بالرفعة على الآخرين، ثم التكبّر عليهم.. وما بين الحسد.
ـــ إبليس كان يعاني من الكِبر والعُجب بنفسه.. هل كان يُدرك ذلك من نفسه؟ لا أدري.. ولكن في لحظة الاختبار التي تكشف العيوب اتّضحت الصورة، أمرَه ربُّه المعبود بالسجود فأبى.. وتحوّل كِبرُه وعجبُه بنفسه إلى حسد.. وتحوّل الحسد إلى رغبة عنيفة ومجنونة بالانتقام.
ــــ (قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ، قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ، قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ، وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ) إبليس في هذه اللحظة كان يعلم أن الأمر ليس مزحة، ومع هذا لم يطلب العفو والتوبة، بل اتّقدت نار الحسد في قلبه والرغبة في الانتقام.. كيف لهذا المخلوق الطيني أن ينال رضا الله وينعم بعطاياه في الحياة وقد يحصل على الجنة، في الوقت الذي كان فيه سبباً لطردي منها (قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ، قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ، إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ) طلب المهلة، لا ليفكّر ويعيد حساباته، ولا لكي يتوب ويكفّر عن ذنبه، بل فضّل أن يستجيب لمتطلّبات الحسد على أن ينال التوبة والجنة: (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ، إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) [ص:75-83].
ــــ الحسد شيء غريب، يجرّيء الأخ على أخيه إلى مستوى القتل: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) وهل طاوعته نفسُه ونفّذ وعده بأخيه الطيب البريء المتّقي وبلا ذنب؟ (فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [المائدة:27-30].
ـــ لاحظ هنا كيف ربط أمير المؤمنين (ع) في الخطبة القاصعة في قصة الأخوين بين الكِبر والحسد: (وَلَا تَكُونُوا كَالْمُتَكَبِّرِ عَلَى ابْنِ أُمِّهِ مِنْ غَيْرِ مَا فَضْلٍ جَعَلَهُ اللَّهُ فِيهِ، سِوَى مَا أَلْحَقَتِ الْعَظَمَةُ بِنَفْسِهِ مِنْ عَدَاوَةِ الْحَسَدِ، وَقَدَحَتِ الْحَمِيَّةُ فِي قَلْبِهِ مِنْ نَارِ الْغَضَبِ، وَنَفَخَ الشَّيْطَانُ فِي
أَنْفِهِ مِنْ رِيحِ الْكِبْرِ، الَّذِي أَعْقَبَهُ اللَّهُ بِهِ النَّدَامَةَ، وَأَلْزَمَهُ آثَامَ الْقَاتِلِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ).
ـــ وما قصة يوسف مع إخوانه ببعيدة عن الأذهان.. لا رابط الدم، ولا اللقمة المشتركة، ولا الفطرة، منعت الإخوة من فكرة قتل أخيهم! ولكن يمكر الحاسدون، ويمكر الله، والله خير الماكرين.
ـــ أُسأل أحياناً لماذا يهاجم العالِم الفلاني عالِماً آخر وبشكل شرس؟
ـــــ القرآن يجيب على هذا السؤال بوضوح من خلال المثال التالي: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ) كبعض اليهود (يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ) بالأصنام (وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَؤُلاء أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً) [النساء:51]، عابدو الأصنام أهدى من المؤمنين برسالة محمد!
ـــــ ما الذي دفعهم إلى هذا الكذب والتناقض مع أنفسهم مع أنهم حملة علم؟ (.... أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ) [النساء:54].. إنه الحسد! وما أكثر الحسد بين العلماء.
ــــ العِلم وحدَه لا يُطهِّر الإنسان وسلوكه إذا لم تقترن به تربية أخلاقيَّة.. العلم هنا يكون كمية من المعلومات لا أكثر.
- حتى على المستوى الإيماني قد لا يتأثّر إيجابياً بعلمه.. فالحاسد عنده مشكلة إيمانية.. عنده خلاف مع الله الرازق الحكيم. لا توجد عنده ثقة بعدل الله. فهل أفاده علمه؟
- ومشكلة مثل هذه الحالات أن تأثيرها ليس محدوداً، لأنّ الناس يتّبعون العلماء ويأخذون عنهم.
ـــ والرؤساء كالعلماء.. تأثيرهم واسع المدى. صدام عاش هذا الداء الوبيل.. كِبر وعُجُب تحوّل إلى حسد.. حسَد الكويت على ما بها من نِعَم.. وملأ رؤوس الناس بالأباطيل حول الأصل والفرع، وشحن الصدور بالأحقاد، ثم غزا الكويت بكل وحشية.. صحيح أن بعض العوامل السياسية كان لها دور في ارتكاب جريمته، ولكن العامل النفسي كان حاضراً بقوة.. وعلى رأسه الحسد.. فكيف غدا مصيرُه؟ وُجِد مختبئاً في حفرة كالجرذان، فأُخرِج منها، وسيق إلى مصيره ذليلاً.
ــــ إنّ للحسد من التأثير أنْ جعل نهايةَ هابيل المحسود قتلاً على يد أخيه الحاسد.
- ولكننا إذ نؤمن بأن الموت في هذه الحياة ليس نهاية المطاف، بل مجاز إلى دار الخلود، لذا فإنَّ هابيل لم يخسر شيئاً، بل ربح جنة الخُلد بتقواه: (لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ) [المائدة:28].
- بينما خسر قابيل كل شيء.. دنياه، لأن الحاسد يُدمّر عافيَته ويُحرق نفسه ألماً وكمداً، وكما قال علي(ع): (وَيْحَ الحَسَدِ ما أعْدَلَهُ! بَدَأ بِصاحِبِهِ فَقَتَلَهُ).. وخسر آخرتَه لأن الله يقول: (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) [النساء:93].
- وهكذا هو مصير كل حاسد.. الخسران والندم.
- وفي البين توصيات مهمة لمن يخاف من أن يقع في فخ الحسد:
1- تجنب عقد المقارنات مع الآخرين.. ثق بعدل الله وحكمته، ولا تمدّنّ عينيك إلى ما عند الآخرين: (وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى) [طه:131].
2- حدِّق في ما وهبك الله من نِعمٍ تتفوّق بها على مَن سواك.
3- تشاغل بتنمية نفسك عن حسد الآخرين.
4- ابذل جهدك لتحقيق طموحاتِك المباحة في الدنيا.. وارض بما قُسِم لك.. وأعدّ العُدّة لآخرتِك.
5- كن من الشاكرين، لتعيش راحة البال، وطمأنينة الإيمان، ورضا النفس.
- ويبدو من بعض الروايات أن من أسباب العداء الشديد عند بني أمية لأهل بيت النبوة هو الحسد الشديد، وقد عقد الكليني في الكافي بابا بعنوان (أن الأئمة عليهم السلام ولاة الامر وهم الناس المحسودون) ومما روي في هذا الباب: (عن بريد العجلي عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله تبارك وتعالى: " فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما " قال: جعل منهم الرسل والأنبياء والأئمة فكيف يقرّونه في آل إبراهيم عليه السلام وينكرونه في آل محمد؟! قال: قلت: " وآتيناهم ملكا عظيما "؟ قال: الملك العظيم أن جعل فيهم أئمة، من أطاعهم أطاع الله، ومن عصاهم عصى الله، فهو الملك العظيم).
وحتى نفهم هذا الأمر نعود إلى الآيات حيث تستغرب موقف اليهود الذين يقفون إلى صف المشركين ضد رسول الله (ص) ويدعون أن عقيدة المشركين أقرب للهداية والصحة من عقيدة المسلمين الموحدين المؤمنين بكل الرسل والرسالات والكتب السماوية!
- (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَؤُلاء أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً، أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَن يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا) ما الذي دفعهم إلى هذا الموقف الغريب؟ (أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لاَّ يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا) هل أمر النبوة مفوَّض إلى اليهود كي يحتجوا على الاختيار الإلهي لرسول الله (ص)؟ لو كان كذلك لبخلوا به واحتكروه لأنفسهم.. أم أن السبب وراء موقفهم المعادي هو الحسد؟ (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا) فكان لإسماعيل (ع) نصيب من ذلك، وكان لمحمد (ص) نصيب من ذلك.، وأشار الإمام الباقر (ع) إلى أن للأئمة (ع) نصيب من الكتاب من خلال وراثة مسئوليته عن رسول الله، ونصيب من الحكمة ونصيب من الملك، فتساءل بريد عن طبيعة هذا الملك، فأجابه بأنها كونهم مفروضي الطاعة من خلال مقام الولاية.
- وكما حُسد هابيل من قبل، وحُسد الأنبياء على ما آتاهم الله، حُسد آل بيت محمد على ما آتاهم الله من فضله، فتعرضوا لما تعرضوا له من تضييق وتشديد وقتل بالسيف أو السم... ولكن الحاسد في واقعه لا يدمر إلا نفسه، وهذا ما انطبق على يزيد حيث قالت له العقيلة: (فوالله ما فريت إلا جلدك، ولا جززت إلا لحمك) أي قد جنيت على نفسك في الدنيا من خلال ارتكابك لهذه الجريمة.. ثم هناك التبعة الأخروية (ولتردن على رسول الله بما تحملتَ من سفك دماء ذريته، وانتهاك حرمته في لُحمته وعترته، وليخاصمنك حيث يجمع الله تعالى شملهم، ويلم شعثهم، ويأخذ لهم بحقهم (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) فحسبك بالله حاكما، وبمحمد خصما، وبجبرئيل ظهيرا، وسيعلم من سوَّل لك ومكَنك من رقاب المسلمين، أن بئس للظالمين بدلا، وأيكم شر مكانا وأضعف جندا.
ولئن جرّت علي الدواهي مخاطبتك فإني لأستصغر قدرك، وأستعظم تقريعك، وأستكبر توبيخك؟ لكن العيون عبرى والصدور حرّى. ألا فالعجب بقتل حزب الله النجباء، بحزب الشيطان الطلقاء، فتلك الأيدي تنطف من دمائنا، وتلك الأفواه تتحلب من لحومنا، وتلك الجثث الطواهر الزواكي تنتابها العواسل) الذئاب (وتُعفّرها أمّهات الفراعل) الفُرعل ابن الضبع (فلئن اتخذتَنا مغنما لتجدنها وشيكا مغرما، حين لا تجد إلا ما قدَّمَت يداك، وإن الله ليس بظلام للعبيد، فإلى الله المشتكى وعليه المعوَّل، فكد كبدك، واسع سعيك وناصب جهدك، فوالله لا تمحو ذكرنا، ولا تميتُ وحينا، ولا تُدرِكُ أمدَنا، ولا ترحَضُ عنك عارها، ولا تُغيِّبُ شنارَها) الفضيحة والفعل القبيح الشائن (فهل رأيك إلا فند؟) باطل (وأيامُك إلا عدد، وشملك إلا بدد، يوم ينادي المنادي: «ألا لعنه الله على الظالمين». فالحمد لله الذي ختم لأولنا بالسعادة والرحمة، ولآخرنا بالشهادة والمغفرة، وأسال الله أن يكمل لهم الثواب، ويوجب لهم المزيد وحسن المآب، ويختمَ بنا الشرافة، إنه رحيم ودود، وحسبنا الله ونعم الوكيل، نعم المولى ونعم النصير.