خطبة الجمعة 8 ذوالقعدة 1442: الشيخ علي حسن : الخطبة الثانية : رسالتا عتب

- أشرت في الخطبة الأولى إلى الحديث المعروف بعنوان (حديث سلسلة الذهب)، بلحاظ السند المذكور فيها، وقلت هناك أن الخبر مروي عن بعض علماء المذاهب الأربعة بالإضافة إلى الشيعة الإمامية، وهو ما يدفعني إلى توجيه رسالتي عتب.
- الرسالة الأولى لإخواني من علماء أهل السنة من المذاهب المختلفة. فعلى الرغم من كل ما رووه في إطار حب أهل بيت رسول الله (ص) علاوة على الأخذ عنهم، إلا أننا نجد أنه من النادر أن
يتجلّى ذلك اليوم إلا في حالات نادرة.
- الإمامان مالك وأبو حنيفة تتلمذا عند الإمام جعفر الصادق (ع).. والإمام أبو حنيفة ساند ثورتي زيد بن علي والحسنيين.
- ونُقل عن الإمام الشافعي في الديوان المسمى باسمه أنه قال في رثاء سيد الشهداء (ع):
تـأوّهَ قـلـبـي والـفـؤادُ كـئـيـبُ وأرَّق نومي فالـسُّــهــادُ عَـجـيـبُ
فمَن مُبلغٌ عنّي الـحُـسينَ رسالـةً وإن كَـرِهَـتْـهَـا أنـفــسٌ وقُــلــوبُ
ذبـيـحٌ بـلا جـُرمٌ كأنَّ قـمـيـصَـهُ صـبـيـغٌ بــماء الأرجـوانِ خَـضـيـبُ
فللسيفِ أغوالٌ وللرّمـحِ رَنـّةٌ وللخيلِ مِن بعدِ الـصـهيـلِ نـحيـبُ
تـزلـزلتِ الـدنُيـا لآلِ مُـحـمـد وكادت لهم صُـمُّ الـجـبـالِ تذوبُ
وغارت نُجومٌ واقشعرّت كواكبُ وهُتِكَ أستارٌ وشُقَّ جُيـوبُ
يُصلَّى على المبعوثِ من آلِ هاشمٍ ويـُغزى بـنـوه! إنَّ ذا لَـعـجـيـبُ
لـئـن كان ذَنـبـي حُبُّ آلِ مـحـمـدٍ فـذلـك ذنــبٌ لـستُ عـنـه أتــوبُ
هُـم شُـفـعـائي يوم حَـشري وموقفي إذا ما بَدَت للـنَّـاظِـريـنَ خُـطــوبُ
- وأما الإمام أحمد بن حنبل فقد أفرد في موسوعته المسند كتاباً بعنوان (مسند أهل البيت) ثم (فضائل أهل البيت) ثم ألّف كتاباً مستقلاً بعنوان (فضائل علي) ولكنه ما زال مخطوطة ولم يطبع.
- والسؤال الآن: كم عدد إخواننا من أهل السنة الذين يعرفون شيئاً عن الإمام الرضا (ع) مثلاً وعن سيرته وحياته؟ وما الذي يروونه للناس من كلامه وحكمه؟ وكم أثّرت المسائل الشرعية المأثورة عنه على مستوى استنباط الأحكام الشرعية من قبل الفقهاء؟
- روى ابن حجر في (تهذيب التهذيب) عن الحاكم قال: (سمعت أبا بكر محمد بن المؤمل بن الحسن بن عيسى يقول خرجنا مع إمام أهل الحديث أبي بكر بن خزيمة وعديله أبي علي الثقفي مع جماعة من مشائخنا وهم إذ ذاك متوافرون إلى زيارة قبر علي بن موسى الرضى بطوس، قال فرأيت من تعظيمه - يعنى ابن خزيمة - لتلك البقعة وتواضعِه لها وتضرعِه عندها ما تحيّرنا).
- وقال شيخ خراسان محمد بن حبان الملقب بالإمام الفاضل والمتقِن المحقق في ترجمة الإمام الرضا(ع) (وقبره بـ سناباذ خارج النوقان مشهور يزار بجنب قبر الرشيد، قد زرته مراراً كثيرة، وما حلّت بي شدّة في وقت مقامي بطوس فزرت قبر علي بن موسى الرضا صلوات الله على جده وعليه، ودعوتُ الله إزالتَها عنّي إلا استجيب لي وزالت عني تلك الشدة، وهذا شيء جربته مراراً فوجدته كذلك، أماتنا الله على محبة المصطفى وأهل بيته صلى الله عليه وعليهم أجمعين).
- هكذا كانت عناية بعض أسلاف العلماء من إخواننا من أهل السنة بمرقد الإمام الرضا (ع) معرفةً منهم بمقامه عند الله (عز وجل)، فهل يتناسب ما يُقدَّم اليوم من ثقافة دينية مع هذا؟
- وأما رسالة العتب الثانية فهي إلى عديد من خطباء الشيعة وعلمائهم ممّن يصرّون على نقل روايات وأخبار تتضمّن صوراً سلبية عن علاقة أئمة المذاهب وعلمائهم ومحدِّثيهم بأئمة أهل البيت (ع)، وهو ما يتعارض مع بداهة تتلمذ بعضِهم على أيديهم، والمأثورات الإيجابية الكثيرة المروية في هذا الإطار، كما أنها تُشحن القلوب سلباً وتزرع الضغائن بين المسلمين على خلاف الوصية الإلهية، وهو سبحانه القائل: (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ، وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [آلعمران:103-105].