خطبة الجمعة 1 ذوالقعدة 1442: الشيخ علي حسن : الخطبة الثانية: حرّر نفسك من التضجّر

- تحدثت في الخطبة الأولى عن سلبية تنامي حالة التضجّر والملل عند الإنسان، وسأبيّن فيما يلي بعضاً من الآثار السلبية وطرق المعالجة.
1. عن النبي الأكرم (ص) أنه قال: (يا علي، من استولى عليه الضّجر رحلت عنه الراحة)، هذا هو بالدقة وصف من يستولي عليه التضجّر والتململ، ويتحوّل عنده إلى أسلوب حياة.
- هذا الإنسان -في المقام الأول- يؤذي نفسه، وبتعبير الرواية السابقة (رحلت عنه الراحة).
- رحيل الراحة قد يعني القلق والاكتئاب وسرعة الانفعال وآثار ذلك على المستوى الجسدي.
- في 21 ديسمبر 2009 نشر باحثان أكاديميان هما (آني بريتون) و (مارتن شيبلي)Annie Britton - Martin J Shipley دراسة استغرقت 25 سنة تقريباً وشملت 7524 عينة من الجنسين، ناقشا من خلالها مدى صحة مقولة (سأموت من الضجر: Bored to death).. أي هل هناك علاقة بين كثرة التضجّر والموت المُبكر؟
- من نتائج تلك الدراسة أن الذين يعيشون حالة التضجّر بشكل كبير كانوا أكثر عرضة للموت في سن أصغر من الذين كانوا لا يعيشون هذه الحالة على الإطلاق، وسبب موتهم على الأغلب يعود إلى المعاناة من أمراض القلب والأوعية الدموية، وإحدى التفسيرات تتمثّل في أن هذا التضجّر كان مفتاحاً لعادات حياتية سيئة، كالخمول والكسل والاكتفاء بالأغذية غير الصحية كالوجبات السريعة وترك ممارسة الرياضة وغير ذلك، مما ساعد على الموت أسرع من غيرهم.
- وهذا الأمر بدوره يقودنا إلى السلبية الثانية.
2. فالتضجّر يُثقل حركة الإنسان في الحياة ويُثبّط عزيمته في إنجاز ما يفيده، سواء فيما تترتب آثاره على مستوى الحياة الدنيا، أو ما تترتب آثاره على مستوى الآخرة.
- عن الإمام الرضا (ع) أنه قال: (قال أبي لبعض وُلده، إيّاك والكسل والضّجر، فإنهما يمنعانك من حظّك في الدنيا والآخرة).
3. ثم هذا الإنسان المتضجّر يحرم نفسه من الاستمتاع بالحياة، وهذا جانبٌ ممّا عناه الرضا (ع) في الرواية السابقة حيث قال: (فإنهما يمنعانك من حظّك في الدنيا والآخرة).
4. يضاف إلى ذلك تحويل أدوات ووسائل الاستمتاع بالحياة إلى أسباب لتعميق حالة الضجر، وذلك من قبيل السفر، أو الرحلات العائلية، وما شابه ذلك، فهي في الأساس وسيلة من وسائل الترفيه والترويح عن النفس وتغيير الروتين والاستمتاع بالطبيعة وما إلى ذلك، وإذا بالشخص النكدي المتضجّر يفوّت الفرصة على نفسه لتعديل مزاجه، بل ويجعل ذلك سبباً لتعميق تضجّره، كما أنه يشحن الجو من حوله - ولاسيما مرافقينه - بالمشاعر السلبية، ولربما تتحوّل إلى خلافات.
5. وبعض التصرفات وردود الأفعال المشهودة والانفعالات في الشوارع والإدارات وعند انتظار الدور في المستشفيات والمطاعم وغيرها، هي انعكاس لتنامي حالة التضجّر والتململ عند الأفراد، بحيث يعيشون حالة من التشنّج والتوتر الناشئة عن ذلك التضجر والتململ.
- أما مواجهة ومعالجة حالة التضجّر فيمكن أن تتم من خلال:
1. إدراك طبيعة الحياة فهي ليست دائماً كما تريد، ولذا عليك أن تتقبّل ذلك وتتكيّف مع متغيراتها.
2. لا تُضخّم السلبيات، ولا تُكثِر من التركيز عليها، وكن واقعياً في تقييمك للأمور.
3. قبل الدخول في أي مشروع، سواء أكان عملاً أم ترفيهاً أم غير ذلك، هييء نفسك لكل الاحتمالات، كالفشل، والتلكّؤ، وضعف النتائج، وعدم التفاعل الإيجابي من الآخرين.
4. اللجوء إلى طرائف الحكمة عندما تشعر بالملل، وذلك كما مرّ معنا في الخطبة الأولى من قول أمير المؤمنين (ع): (إن هذه القلوب تَمَلّ كما تَمَلّ الأبدان، فابتغوا لها طرائف الحكمة).
5. درّب نفسَك على الصبر والتحمّل، وقد روي عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال: (إنْ لم تكن حليماً فتحلّم، فإنه قلّ مَن تشبّه بقوم إلّا أوشك أن يكون منهم)، وهذا يعني أن بإمكانك أن تغيّر
من طبيعتك بشرط أن تمتلك الإرادة، وتقوم بالمطلوب.
6. عوّد نفسك على شغل وقت الانتظار بأمور تعود عليك بالفائدة، اذكر الله.. عوّد نفسك أن تحمل معك كتاباً لتقرأه في تلك اللحظات.. وغير ذلك من الوسائل المفيدة التي تجنّبك تحويل هذا الانتظار إلى سبب لتفجير مشاعرك السلبية.
7. جرّب أن تساعد المحتاجين للمساعدة، من خلال مهاراتك وقدراتك، ولو بأن تقرأ قصة للأطفال المرضى في المستشفيات، أو تُساهم في إيصال المساعدات إلى الفقراء، أو أن تمحوَ أمّية الأطفال الذين لا يملكون إمكانية الالتحاق بالمدارس، أو تزور كبار السن في دور الرعاية الاجتماعية، أو غير ذلك من المجالات الكثيرة التي يمكن لك من خلالها أن تخفف من معاناة الناس، وأن تزرع البسمة على شفاههم، لتجد حينها أنّ الحياة تُشرقُ مِن حولك جمالاً وبهاءً.