بيان بشأن منع بناء المآذن في سويسرا

أصدر المرجع الديني السيد محمد حسين فضل الله بيانا بهذا الخصوص، فكان مما جاء فيه: إننا في الوقت الذي نؤكد احترام رأي الشعب السويسري في ضوء احترامنا لحرية التعبير تجاه أي شأن من الشؤون المتصلة به، نثير أمامه وأمام الرأي العام العالمي وأمام المسلمين عدداً من النقاط في حوار هادئ موضوعي وعقلاني:

أولا: لعل من الواضح أن الحملة الدعائية التي استهدفت إثارة الرأي العام السويسري تقدم صورة مشوهة ومخيفة عن الإسلام والمسلمين، في الوقت الذي يعرف الشعب السويسري المسلمين الذين يعيشون معه في الشارع وفي المؤسسات والمدارس والجامعات والإدارات وفي سائر مرافق المجتمع، ويرون بأم العين أن المسلمين ليسوا واحداً في أنماط تعبيرهم عن تدينهم، كما أن الغربيين ليسوا واحداً في أفكارهم وأنماطهم.

ثانيا: إننا ندعو الغربيين إلى القيام بدراسات اجتماعيةٍ ميدانية للتعرف أكثر إلى المسلمين، في عاداتهم وتقاليدهم، بهدف إدراك أن الشريحة الأوسع من المسلمين هي الشريحة التي تعيش مواطنيتها بشكلٍ حضاري وإنساني، وتساهم في إنماء الوطن إلى جانب سائر المواطنين، وهي الفئة التي يهمها تعزيز السلام الداخلي انسجاماً مع تعاليم الإسلام التي تؤكد على الانفتاح والتواصل والرحمة.

ثالثا: إن التحريض المتواصل الهادف إلى إيجاد حالة من العنصرية في الغرب ضد المواطنين المسلمين، من شأنها أن تعود بالضرر على غير المسلمين؛ لأنها تعني - في ما تعنيه - تحويل السلام المجتمعي إلى حالٍ من التوتر النفسي الذي تشعر من خلاله فئة من الشعب بالتهميش والاستضعاف في مقابل فئة أخرى تعتبر نفسها في موقع المتسلط والمستكبر، ونحن نعرف أن انقسام أي مجتمع هو مهدِد رئيس للوئام الذي هو القاعدة الرئيسة لإدارة حركة التطور والتقدم والازدهار. وفي هذا المجال، فإننا نعبر عن خشيتنا من توظيف نتائج هذا الاستفتاء في إصدار قرارات سوف تؤدي حكما إلى تعكير الأجواء وتأزيم العلاقات المجتمعية، كما يترك علامات استفهام حول طريقة إدارة الغربيين لمسألة حرية المُعتقد والعبادة للمسلمين في بلدانهم الأوروبية والغربية عموما.

رابعا: إن المئذنة بحد ذاتها لا تمثل ثابتاً أساسياً من ثوابت الحالة الدينية لدينا. فالله سبحانه جعل لنا الأرض كلها مسجدا يُمكن للإنسان أن يصلي عليها؛ ولكن الخلفيات الكامنة وراء الحملة الدعائية السلبية لا تتصل بمسألة البناء بحد ذاتها، بل بأكثر من بُعد نلمس فيه حملة تشويهية تخويفية يُمكن أن تستتبع قوانين أخرى تعمل على التضييق على المسلمين في بلدهم. ولذلك، لا بد للمسلمين من العمل الهادئ والموضوعي، وإدارة علاقاتهم مع الأفراد والجهات الفاعلة من جهة، والارتكاز على قوانين البلد من جهة أخرى، وذلك بهدف تعديل الموقف العام وتحصينه من أية قرارات متطرفة، بما يضمن تكريس مبدأ حرية ممارسة الشعائر الدينية، ويحد من انحراف موقف الرأي العام في المستقبل في اتجاه أكثر سلبيةً تجاه أمور جوهرية تتعلق بالمسلمين.

خامسا: ينبغي على المسلمين الحذر من دفعهم باتجاه العنف أو باتجاه اعتبار أنفسهم دخلاء في بلدانهم التي يحملون جنسيتها، بل إن عليهم أن ينطلقوا ليؤكدوا حضورهم الفاعل في كل مستويات المجتمع، وأن يكونوا إيجابيين مع مواطنيهم السويسريين، حتى مع الذين صوتوا لصالح المنع، فإن الموقف السلبي اليوم قد يتحول موقفا إيجابيا غدا؛ وذلك عندما يؤكد المسلمون صورتهم الحضارية في مقابل الصورة السلبية التي يُراد فرضها على الشعب السويسري عبر الدعاية والإعلام. وعلى المسلمين جميعا أن يعرفوا أن الإدارات، ولا سيما المتطرفة منها، لا تملك هامشا كبيرا في تحدي وجود المسلمين إلا بالمقدار الذي يُدفَع فيه المسلمون إلى الاتجاه غير الحضاري، بما يؤكد الدعاية بالفعل في البلدان التي يتواجدون فيها.

أخيراً: إننا نوجه نصيحة إلى الإدارات الغربية، ألا تنزلق إلى ما كان الغرب يعيب عليه الشرق - في كثير من أوضاعه - وهو مواجهة أي حالة حذر أو خوف من المسلمين من خلال القوانين المتعسفة التي تبتعد كثيرا عن قيم الحرية والعدالة؛ لأن قيمة الحضارة الغربية، بل كل الحضارات، هي بمقدار ما تتحرك وفق هذه المبادئ، وأن بداية انحدارها هي عندما تتحرك في الواقع ضد ما هو معلن عندها من مبادئ وقيم.

تاريخ النشر 05/12/2009