خطبة الجمعة 23 شوال 1442: الشيخ علي حسن : الخطبة الثانية: تنمية المشاريع الخيرية

- روي عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: (يا مفضّل، قل لأصحابك يضعون الزكاة في أهلها، وإني ضامن لما ذهب لهم).
- نلاحظ في وصية الإمام (ع) أنه لم يكتف بقول: (قل لأصحابك يخرجون الزكاة)، بل قال: (يضعون الزكاة في أهلها) وواحدة من المفاهيم التي يمكن أن نستقيها من ذلك ضرورة التدقيق وحُسن اختيار موارد الإنفاق، سواء أكان العطاء إلزامياً كزكاة المال أو تطوعياً كالصدقة المستحبة.
- الملاحظ أن بعض الإخوة والأخوات عندما يخرجون أخماسهم أو يقدّمون مساعدات مالية لبعض الأفراد أو الجهات وكأنهم يريدون التخلّص من المسئولية بأية صورة، بغض النظر هل أن من استلم المال يخاف الله في ذلك، أم أن ذمته واسعة ولا يهتم أن يأكل المال بالباطل، وقد يكون مدّعياً وغير صادق في عنوان الحاجة أو الوكالة عن مرجع التقليد أو غير ذلك.
- على مستوى الحقوق المالية اللازمة فالفتوى أن ذمتك لا تبرأ إن سلّمت المال لغير أهله. مثلاً شخص يدّعي الوكالة عن مرجع التقليد، وأنت من دون أن تتأكد تسلّم له الحق الشرعي، ثم يتبيّن أنه ليس بوكيل، أو متهم في التصرف في الأموال بصورة غير مشروعة.. هنا أنت ملزم بإخراج الحق الشرعي مجدداً.
- وهكذا بالنسبة إلى الصدقات المستحبة، حاول أن تتأكد، وما أكثر المدَّعين والكذابين، واليوم باتوا يظهرون على وسائل التواصل الاجتماعي... فهل كانت نيتك أن تستقطع شيئاً من مالك دون فائدة، أم أنك أردت أن تحقق نتيجة إيجابية على المستوى العملي؟
- أحياناً التركيز على الثواب فقط قد يؤدي إلى الاستعجال واتخاذ الإجراء غير المناسب، بينما الثواب أحد وجهي العملة، والوجه الآخر تحقيق النتيجة العملية المفيدة من وراء العطاء.
- المفهوم الثاني الذي يمكن أن نستخلصه من وصية الإمام الصادق (ع) هو أننا أحياناً بحاجة إلى أن نستثمر تبرعاتنا وحتى الحقوق الشرعية -بإذن الفقيه- لتكون مردوداتها مستدامة، فيكون ذلك مصداقاً لوضع الزكاة في أهلها، بمعنى وضعها في المكان السليم أو الأفضل.
- في الخبر (أن رجلاً من الأنصار أتى النبي (ص) يسأله) الصدقة (فقال: أمَا في بيتك شيء؟ قال: بلى، حِلس) بساط (نلبس بعضَه ونبسط بعضه وقعب نشرب فيه الماء. فقال: ائتني بهما. فأتاه بهما، فأخذهما رسول الله (ص) بيده وقال: من يشتري هذين؟ فقال رجل: أنا آخذهما بدرهم. قال: من يزيد على درهم؟ -مرتين أو ثلاثاً- قال رجل: أنا آخذهما بدرهمين. فأعطاهما إياه وأخذ الدرهمين فأعطاهما الأنصاري وقال: اشتر بأحدهما طعاماً فانبذه إلى أهلك، واشتر بالآخر قَدّوماً وائتني. فأتاه به، فشدَّ فيه رسول الله (ص) عوداً بيده ثم قال له: اذهب فاحتطب وبع، ولا أراك خمسة عشر يوماً. فذهب الرجل يحتطب ويبيع، فجاء وقد أصاب عشرة دراهم، فاشترى ببعضها ثوباً وببعضها طعاماً فقال رسول الله (ص) هذا خير لك من أن تجيء المسألة).
- لاحظوا الشخصية القيادية عند رسول الله (ص) كيف وجّه، وكيف بادر، وكيف قدّم الفكرة، وكيف مكّن هذا الفقير من تحويل ما لم يكن بذي بال إلى مورد مالي مستدام، ولكن بشرط العمل وبذل الجهد... في العمل الخيري، وحتى في الأموال الشرعية التي تتجمع عند المرجعيات الدينية نحن بحاجة إلى مثل هذا النموذج القيادي المبدع، لا مجرد الوساطة لإيصال الأموال للفقراء.
- وتحقيق هذا الأمر بحد ذاته يحتاج إلى ثقافة، ثقافة عند عامة الناس، وثقافة ورؤية وحُسن تخطيط وتنفيذ عند اللجان الخيرية وعند المسئولين على الأموال الشرعية، وهي كلها مدعوة بجدية أن لا تكتفي بالمساعدات المباشرة، بل وأن تفكر وتسوّق للمشاريع الإنتاجية وللصدقة الجارية.
- لا شك أن هذا متعب ويحتاج إلى متابعة، ولكنه أكثر فائدة، وستكون مردوداته على المدى البعيد أفضل.
- أيهما أفضل: أن تُطعم الفقير خبزاً، أم أن تنشئ للحيّ مخبزاً، توفر من خلاله فرص عمل، وحركة تجارية، ومردود مالي خيري، وخبز مجاني للمحتاجين؟ لماذا لا يكون هناك تفكير في الاستثمار في تربية الأغنام في المناطق التي نقوم فيها بتقديم الذبائح بعنوان الصدقات والكفارات؟
- دعوة للمبرات واللجان الخيرية وللقائمين على الحقوق الشرعية لتطوير العمل الخيري من حيث الرؤية والتخطيط والتسويق والتنفيذ، لاسيما بلحاظ توسع دائرة الفقر في الظروف الراهنة، وشدّته، واستهلاك الصدقات لكثير من موارد التبرعات الخيرية على حساب التبرع للمشاريع التبليغية والمؤسساتية والتعليمية والإعلامية وكفالة طلبة العلم وأمثال ذلك مما بتنا نفتقده.