أين يقع المسجد الأقصى ؟

- تنتشر هذه الأيام مقاطع فيديو لمشايخ من الشيعة والسنة يتحدثون عن خطأ كون المسجد الأقصى هو الموجود في القدس... فما مدى صحة هذا الكلام؟
1. توقيت انتشار هذه المقاطع في هذه الأيام أمر لا يخفى، فهو متزامن مع الهبة العالمية لنصرة القضية الفلسطينية والوقوف أمام العدوان الصهيوني والذي بدأ في شهر رمضان في اتجاهين، الأول يخص المسجد الأقصى والثاني يخص حي الشيخ جراح. وبالتالي أي طرح من هذا القبيل لا يخدم إلا الأجندة الصهيونية الساعية لهدم هذا المسجد أو محاولة التقليل، أو التشكيك في أهميته وشق الساحة الإسلامية وما إلى ذلك من أهداف تساعد الصهاينة في مشاريعهم الإجرامية.
- لا أريد أن أقول أن دوافع كل من تكلم في هذه المقاطع مساندة المشروع الصهيوني، خاصة وأن بعض المقاطع قديمة زمناً، ولكن الإنسان أحياناً من حيث يدري أو لا يدري يخدم الصهاينة. ولذا فإن مثل هذا الطرح -حتى لو كان الإنسان يؤمن بصحته- لا يخدم إلا الصهاينة.
- نحن لا نتحدث عن مسجد قبة الصخرة الذي بناه عبدالملك بن مروان، فالبعض ومن بينهم أحد المشايخ الذي ظهر في مقطع الفيديو خلط بين هذا المسجد وبين المسجد الأقصى.
2. هناك اتجاهات في الطرح، منها أن المسجد الأقصى مسجد في منطقة الجعرانة، وهو مسرى النبي، وقد تعرضت لهذا الموضوع باختصار جداً في الجزء الثاني من كتابي في عمق التاريخ، قلت فيه: (هل المراد من المسجد الأقصى مسجد بيت المقدس؟
قال البعض بأن «المسجد الأقصى» الذي أسري إليه النبي «ص» لا يقع في القدس، بل في الجزيرة العربية على حدود الحرم المكي. قالوا: إن المسجد الأقصى موجود في أرض الحجاز في المملكة العربية السعودية وفي منطقة تسمى «الجِعِرَّانة» وهي تقع شمال مدينة مكة بـ29 كيلومتراً، وفي وادي العدوة القصوى التي ما زال اسمها يستعمل حتى اليوم.
واستشهد الكاتب بعدة روايات من بينها:
في كتاب «أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار» للأزرقي: (قال محمد بن طارق: اتفقت أنا ومجاهد بالجعرانة فأخبرني أن المسجد الأقصى الذي من وراء الوادي بالعدوة القصوى مصلى النبي كان بالجعرانة، أما هذا المسجد الأدنى فإنما بناه رجل من قريش).
وفي مسند أبي يعلى عن أم سلمة: (أنها سمعت رسول الله يقول: من أهلَّ بحجة أو عمرة من من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر أو وجبت له الجنة).
- وأضيف بأن المسجد الأقصى الواقع حالياً في القدس لم يُعرَف بهذا الاسم على عهد النبي «ص»، خاصة وأن استعمال مصطلح «مسجد» للدلالة على مكان العبادة تم في العهد الإسلامي، بينما المفترض أن الموجود في القدس سابق عهداً على ذلك.
- ويمكن الرد على ما سبق ببيان أن القرآن استعمل مصطلح «مسجد» على المكان المخصص للعبادة قبل الإسلام. قال «تعالى»: (وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِم بُنْيَانًا رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَىأَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِداً). (يَا بَنِي آدَمَ ........ يَا بَنِي آدَمَ ........ قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ...... يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ).
- ثم لم يُعهَد أن أسّس النبي في العهد المكي مسجداً وكان مصلاه في الجعرانة ليُعرف باسم «المسجد الأقصى». وأوّل مسجد أسَّسه النبي كان في «قباء» عند الهجرة إلى المدينة.
- وتسمية مسجد الجعرانة بأنه المسجد الأقصى لا يعني أنه المقصود في الآية، لأنه مجرد وصف يدل على البعد المكاني، ويمكن أن ينطبق على أكثر من مسجد. لاحظ الخبر الأول الذي استشهد به.
- ثم ما أهمية المسير إلى مسجد يقع على بعد 29 كم من مكة، ليُعبَّر عنه بهذه الفخامة: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى)؟ وما خصوصيته ليقال أنه (الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ)؟






2. الاتجاه الآخر هو أن المسجد الأقصى الذي هو مسرى النبي (ص) موجود في السماء. ودليلهم على ذلك روايات، والرد على ذلك:
1) عشرات الكتب الفقهية والحديثية والتاريخية الشيعية التي تتحدث عن بيت المقدس أو البيت المقدّس أو المسجد الأقصى، والمراد هو المسجد المعروف في مدينة القدس، سواء ما جاء في الروايات أو كلمات فقهائنا. (مع ملاحظة أن بيت المقدس أو البيت المقدس قد يطلق على مدينة القدس كما قد يطلق على مسجدها).
2) ولنأخذ بعض الأمثلة:
أ) الحر العاملي في الوسائل تحت عنوان (باب استحباب الصلاة في بيت المقدس). عن محمد بن علي بن الحسين باسناده، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (المساجد الأربعة: المسجد الحرام، ومسجد رسول الله (صلىالله عليه وآله)، ومسجد بيت المقدس، ومسجد الكوفة، يا أبا حمزة، الفريضة فيها تعدل حجة، والنافلة فيها تعدل عمرة). فهل هذا مسجد في تخوم السماء أم في الأرض، إذا لم يكن في القدس بفلسطين فأعلمونا أين هو؟
ب) وروى الحر العاملي أيضاً عن الطوسي بالسند عن جعفر ، عن أبيه ، عن علي ( عليه السلام) قال : (صلاة في بيت المقدس تعدل ألف صلاة).
ج) (عن أبي عامر السامي واعظ أهل الحجاز قال اتيت أبا عبد الله (ع) فقلت له يا بن رسول الله ما لمن زار قبر أمير المؤمنين (ع) وعمّر تربته؟ .... يا علي من عمّر قبوركم وتعاهدها فكأنما أعان سليمان بن داود على بناء بيت المقدس....) أين هذا؟ في السماء؟ في الكوفة؟
د) وعن الصادق (عليه السلام) قال: (بينا إبراهيم خليل الرحمن في جبل بيت المقدس، يطلب المرعى لغنمه إذ سمع صوتا، فإذا هو برجل قائم يصلي...).
هـ) أفلا يخبرنا أصحاب هذا الادعاء إلى أين كان يتوجه المسلمون قبل تحويل القبلة؟ إلى السماء؟
قال العلامة الحلي في (منتهى المطلب): (وفي هذا اليوم حولت القبلة من بيت المقدس).
و) عقد المجلسي باباً في كتابه البحار بعنوان (فضل بيت المقدس) وجاء بالآية: (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله).
- وأول رواية جاء بها كانت كالتالي: (أمالي الطوسي: باسناد أخي دعبل عن الرضا عن آبائه عن أمير المؤمنين عليهم السلام، قال: أربعة من قصور الجنة في الدنيا: المسجد الحرام، ومسجد الرسول صلى الله عليه وآله، ومسجد بيت المقدس، ومسجد الكوفة). وبيت المقدس في فلسطين، ومسجد بيت المقدس هو المعروف بالمسجد الأقصى.
- الرواية الثانية للصدوق في ثواب الأعمال: (عن جعفر بن محمد، عن آبائه، عن علي عليهم السلام قال: صلاة في بيت المقدس ألف صلاة، وصلاة في المسجد الأعظم مائة صلاة، وصلاة في مسجد القبيلة خمس وعشرون صلاة، وصلاة في مسجد السوق اثنتا عشرة صلاة، وصلاة الرجل في بيته وحده صلاة واحدة).
- واستشهد الطوسي في كتابه النهاية بهذه الرواية تحت عنوان (فضل المساجد والصلاة وما يتعلق بها من الأحكام).
3. يذكرون أن هذا المسجد كما في كتب التاريخ قد بناه الخليفة عمر على موقع زبالة.. والقصة أن اليهود كانوا قد اتخذوا من موقع صلب المسيح (باعتقادهم) مزبلة، فجاءت أم قسطنطين قيصر الروم فنظفت المكان وحولته إلى كنيسة (كنيسة القيامة) وحولت موضع قبلة اليهود إلى مزبلة، وأن الخليفة عمر بدوره أعاد هذا المكان إلى حقيقته كموضع لعبادة الله ونظفه وصار المسجد الأقصى.
فإذا كان في الأساس هو قبلة اليهود وموضع عبادتهم بحسب تعليم الأنبياء، فهل هذا ينزل من قيمة المكان ويخرجه من القداسة إذا فعلت أم القيصر ما فعلته بتحويله إلى مزبلة؟ ولما دخل الوهابيون حرم الحسين (ع) وحولوه إلى حظيرة لخيولهم، هل ينزل هذا من قيمة المقام؟ وعندما شرب أحد خلفاء آل أمية الخمر على ظهر الكعبة هل ينزل هذا من قيمتها؟
4. وأما رواية تفسير العياشي التي تمسكوا بها: (عن سلام الحناط، عن رجل، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن المساجد التي لها الفضل فقال: المسجد الحرام ومسجد الرسول، قلت: والمسجد الأقصى جعلت فداك؟ فقال: ذاك في السماء إليه أسري رسول الله صلى الله عليه وآله فقلت: إن الناس يقولون: إنه بيت المقدس؟ فقال: مسجد الكوفة أفضل منه).
1. لم يرد توثيق لسلام الحناط، وأقصى ما قيل فيه أنه لا بأس به.
2. من الرجل الراوي عن الإمام؟ وأين بقية السند قبل سلام؟
5. رواية في تفسير القمي، والكتاب الموجود حاليا معروف شأنه في الضعف، والسند ضعيف أيضاً. حدثني خالد عن الحسن بن محبوب عن محمد بن يسار عن مالك الأسدي عن إسماعيل الجعفي قال: (كنت في المسجد الحرام قاعدا وأبو جعفر عليه السلام في ناحية فرفع رأسه فنظر إلى السماء مرة وإلى الكعبة مرة ثم قال: سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى وكرر ذلك ثلاث مرات ثم التفت إلي فقال: أي شئ يقولون أهل العراق في هذه الآية يا عراقي؟ قلت يقولون أسرى به من المسجد الحرام إلى البيت المقدس فقال: لا ليس كما يقولون، ولكنه أسرى به من هذه إلى هذه وأشار بيده إلى السماء وقال ما بينهما حرم...).
6. تصريحات وبيانات مراجعنا المعاصرين وما أكثرها، وآخر ذلك البيان الصادر عن السيد السيستاني في 29 رمضان 1442: (إن المواجهات العنيفة التي تشهدها ساحات المسجد الأقصى وسائر الراضي المحتلة...) ولا أدري هل هذا المسجد في السماء؟