خطبة الجمعة 20 شعبان 1442: الشيخ علي حسن : الخطبة الثانية: الوصايا الست


- نبدأ بعرض وصايا الإمام الرضا(ع) قبل دخول شهر رمضان كما جاءت في رواية أبي الصلت.
1. (وعليك بالإقبال على ما يَعنيك وترك ما لا يَعنيك) ما هي الأمور التي يمكن أن تعنيني وتهمّني كإنسان متديّن، وما هي تلك التي لا تعنيني؟ المفترض أن الأمور التي تعنيني وتهمّني هي تلك التي فيها فائدة ومردود إيجابي على المستويين الدنيوي والأخروي.
- ولكن حيث أن الكلام هنا حول الاستعداد لشهر رمضان وأجوائه الإيمانية والروحية والعبادية، فمن الواضح أن المراد من الأمور التي تعنيني وتهمّني هي تلك التي لها مردود أخروي على وجه الخصوص... هذه الأمور تحتاج إلى مزيد من العناية في هذه الأيام... وأترك لكم التفكير فيها.
- وهناك أكثر من رواية تذكر أن النبي (ص) اختار شهر شعبان من بين الشهور ليكون الشهر الذي يُكثر فيه من الإقبال على الله صياماً وعبادة، ولذا عبّر عنه بأنه شهره، ومنها ما رواه الصدوق بالسند عن مروان بن مسلم عن الصادق(ع) قال: (حدّثنا أبي عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله (ص): شعبان شهري، ورمضان شهر الله عزوجل).
- وهذا ما يبينه المقطع التالي من الصوات الشعبانية: (وَهذا شَهْرُ نَبِيِّكَ سَيِّدِ رُسُلِكَ شَعْبانُ الَّذِي حَفَفْتَهُ مِنْكَ بِالرَّحْمَةِ وَالرِّضْوانِ الَّذِي كانَ رَسُولُ الله (ص) يَدْأَبُ فِي صِيامِهِ وَقِيامِهِ فِي لَيالِيهِ وَأَيَّامِهِ بُخُوعاً لَكَ فِي إِكْرامِهِ وَإِعْظامِهِ إِلى مَحَلِّ حِمامِه) إلى وفاته.
- وروى الطوسي بسنده عن يونس بن يعقوب أنه سأل الصادق (ع): (جعلت فداك، كان أحد من آبائك (ع) يصوم شعبان؟ قال: كان خير آبائي رسول الله (ص) أكثر صيامه في شعبان).
2. (وأكثِر من الدعاء والاستغفار وتلاوة القرآن) جرعة عبادية روحية مميزة عن سائر أيام السنة.
3. (وتب إلى الله من ذنوبك ليُقبل شهرُ الله عليك وأنت مخلصٌ لله عز وجل) وأنت نقيّ الثوب، خفيف الظهر، لتستطيع التحليق في الأجواء الإيمانية أكثر، وتستفيد من روحانية رمضان أكثر.
4. ثم ينتقل الإمام (ع) ليبيّن مسئوليتنا تجاه عبادِ الله، فالتديّن ليس حالة تجردية أو تجربة روحية مع الله فحسب، بل التدين واقع حياتي تنعكس صورته في علاقة المؤمن مع خلق الله: (ولا تدعنَّ أمانةً في عنقك إلا أدّيتها، ولا في قلبك حقداً على مؤمن إلا نزعتَه، ولا ذنباً أنت ترتكبُه إلا أقلعتَ عنه واتقِ الله).
- كيف يتوقع من هذا الذي يأكل أموال الناس بالباطل أن يدخل في أجواء شهر رمضان الروحية من دون توبة وإصلاح؟ وكيف يتوقع من هذا الذي يخلق الفتن بين الناس أن يعيش أجواء شهر رمضان الروحية من دون توبة وإصلاح؟ وكيف يتوقع من هذا الذي يعيش الحقد والحسد وسوء الظن بالناس أن يستفيد من أجواء شهر رمضان الروحية من دون توبة وإصلاح؟ فاتقوا الله.
- هذا على المستوى الفردي.. وأما على المستوى الجماعي فأقول: اتقوا الله في الوطن.. الوطن أمانة في عنق الحكومة، والوطن أمانة في عنق البرلمان، وعلى الطرفين أن يؤدّيا الأمانة التي سيُسألان عنها. المشهد السياسي المحتقن بين الحكومة والبرلمان واتّباع سياسة عضّ الأصابع ليس في مصلحة البلد، ولا في مصلحة أحد. ضعوا الأحقاد والضغائن وراء ظهورِكم وأقبِلوا على التحديات الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية في ظل الجائحة التي لا يُعرَف لها أفق.. أين دور الأفراد والقوى الوطنية في نزع فتيل الأزمة وتقريب وجهات النظر ورسم خارطة طريقٍ لإخراج الوضع القائم من هذا المأزق؟ فلا أحد في هذا المشهد رابح. ورسالة أخرى للفاسدين، الذين سرقوا الوطن وما زالوا يسرقونه، وكأنهم في سباق محموم مع الزمن!! كفى فساداً وكفى نهباً، أما لكم عِظة في سائر الأوطان؟ أما لبطونِكم أن تشبع؟ لن ينعم أحدٌ في بلد مُفلس، ولن ينعم أحد في بلد تتسلّط عليه قوىً خارجية طامعة تتلاعب في مصيره... ولو انهار الوطن لا سمح الله، فسينهار على رؤوس الجميع ولن يستثني أحداً... ولات حين مندم.
5. (وتوكل عليه في سرائرك وعلانيتك، ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره، قد جعل الله لكل شئ قدراً) فالتوكل يعكس ثقة العبد بربه، ويستمد منه القوة للمضي في مشروعه.
6. (وأكثِر مِن أن تقول فيما بقي من هذا الشهر: اللهم إن لم تكن غفرت لنا فيما مضى من شعبان فاغفر لنا فيما بقي منه، فإن الله تبارك وتعالى يعتق في هذا الشهر رقاباً من النار لحرمة شهر رمضان).
اللهم اجعلنا من عتقائك من النار.. اللهم أعنا على الاستنان بسنة رسول الله (ص) فيه، ونيل الشفاعة لديه. اللهم واجعله لي شفيعاً مشفعاً، وطريقاً إليك مهيعاً، واجعلني له متّبعاً حتى ألقاك يوم القيامة عني راضياً، وعن ذنوبي غاضياً، قد أوجبت لي منك الرحمة والرضوان، وأنزلتني دار القرار ومحلَّ الأخيار، برحمتك يا أرحم الراحمين.