خطبة الجمعة 13 شعبان 1442: الشيخ علي حسن : الخطبة الثانية: المهدي (ع) والرعب


- هناك عدد من الملاحظات حول التصورات التي نقدّمها عن الإمام المهدي (ع) وظهوره، ونحتاج إلى أعادة النظر فيها، وهي في حقيقتها تنطلق من مرتكزات ذهنية مسبّقة هي أيضاً بحاجة إلى إعادة نظر وإعادة تشكيل.
- فعند الحديث عن ظهور الإمام المهدي (ع) تنطلق الكلمات المعبّرة عن الحروب والإبادة الجماعية والإعدامات وما شابه ذلك، وقد لاحظتُ أن عدداً ملحوظاً من اللوحات الفنية التي تُصمَّم حول الإمام عند البحث عنها في الإنترنت تُظهره وهو يمتطي حصاناً وقد شهر سيفه.
- هذه الكلمات، وهذه اللوحات لم تأت من فراغ، بل هي انعكاسات لمرتكزات ذهنية حول ما سيقوم به الإمام (ع) إذا ظهر، وهذه المرتكزات الذهنية ناشئة عن مجموعة من الروايات المبثوثة في كتب المسلمين سنة وشيعة، ويجب أن تخضع للتمحيص والتدقيق، ويجب أن نتريّث في قبولها بأجمعها.
- عنوان المهدوية استفاد منه العباسيون وأحزاب معارضة والغلاة وغيرُهم، ووُضعت روايات من قبل البعض بما يخدم بعض الحركات الثورية والسياسية المناهضة للأمويين أحياناً، وللعباسيين أحياناً أخرى، مثل الرايات السوداء لأبي مسلم الخراساني وغير ذلك، ويجب أن نأخذ هذا بعين الاعتبار ونحن نطالع الروايات ونكوّن من خلالها تصوراتنا حول زمن الظهور.
- هذه الروايات فيها ما فيها من عناوين الذبح والإبادة الجماعية والتدمير وما شابه، وقد نقع ضحيتَها من حيث لا ندري بتصوّر أنها صادرة عن النبي (ص) أو الإمام (ع).
- هذا لا يعني أن الأمور ستسير بهدوء وسلام، ولكن علينا أن نسائل أنفسنا: هل مشروعه (ع) مشروع قتل وإبادة؟ هل هذه هي الصورة التي نريد تقديمها عنه لأبنائنا وللآخرين؟ ما الفرق بينه حينئذ وبين الدواعش؟ ما الفرق بينه حينئذ وبين شعار (جئتكم بالذبح) الذي نعيب به على الدواعش وأمثالِهم؟
- ثم هل نريد تقليص عدد أنصاره ومنتظريه والمتفاعلين إيجابياً معه، ونجعلها ضيقة ومحدودة، أم أن نوسّع دائرتَهم وأن نجعل الناس في انتظاره كما نحن في انتظاره، وأن نمهّد له القاعدة الواسعة المؤيّدة له في كل مكان؟
- لا أعتقد أننا بهذه الطريقة التي نركّز فيها على السيف والإبادة الجماعية سنحببه إلى النفوس، ولن يكون شخصية جاذبة إلا لمن يحملون الأحقاد في نفوسهم، وللمعقّدين نفسياً كأمثال الذين تستهويهم أساليب وأفعال داعش والدواعش.
- لقد بُعث جدُّ المهدي، رسول الله (ص) تحت هذا العنوان: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ)، لأن الله هو الرحمن الرحيم، والمسئولية الكبرى التي من أجلها سيظهر في آخر الزمان هي في إطار هذه الرحمة ومن تجلياتها، وهي مَلء الأرض قسطاً وعدلاً، لأن الظلمَ والجورَ قرينُ الفسادِ والخرابِ والمعاناةِ والدمارِ واضطهادِ المستضعفين، بينما القسطُ والعدلُ قرينُ الصلاحِ والأمنِ وسكينةِ الروحِ والرخاءِ والتعاونِ على المعروفِ ونزولِ البركة والرحمة من الله جل وعلا، ومن مسئوليتنا أن نقدِّم الإمامَ المهديَّ ومشروعَه العالمي في بسط العدل بعيداً عن الصورة الانتقامية التدميرية الدموية والفئوية التي تحتكره لطائفة دون سائر الناس، فالمهدي يأتي للبشرية جمعاء، وليس لأتباع دين، ولا لأتباع مذهب، ولا لأصحاب طريقة، فهو مشروعٌ إلهي ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملأت ظلماً وجوراً.