خطبة الجمعة 6 شعبان 1442: الشيخ علي حسن : الخطبة الثانية: الدين الإبراهيمي


- كثُر الحديث مؤخراً -ولاسيما بعد زيارة البابا إلى العراق- عن مشروع استخباراتي غربي يحمل عنوان (الدين الإبراهيمي)، وهو ما نوّهَت له إحدى الباحثات من مصر قبل 3 سنوات باعتباره مشروعاً يخدم الصهيونية، وذكرَت أنه انطلق في بداية هذا القرن من خلال بعض الدوائر السياسية الغربية والمراكز الاستراتيجية، وتتم فيه الاستعانة برجال دين من المسلمين واليهود والمسيحيين.
- وقد أصدرَت الباحثة كتاباً بهذا الخصوص يحمل عنوان (الدبلوماسية الروحية والمشترك الإبراهيمي: المخطَّط الاستعماري للقرن الجديد) وذكرَت فيه تفاصيل المشروع متّعدد الأبعاد سياسياً وأمنياً ودينياً، وأن المشروع يقوم على طرح دين جديد يختزل (الأديان) الثلاثة.
- لا أستطيع أن أجزم بوجود مثل هذا المشروع، والعهدة على الباحثة المحترمة، ولم يتسنّ لي الاطلاع على الكتاب، ولكن سأعلّق على الأفكار التي طُرحت بلحاظ أنها صارت متداولة، وطُلب مني -مراراً- التعليق عليها.. وحيث أن المجال في هذه الخطبة قصير، لذا سأكتفي ببعض النقاط العامة والإشارات، وأوكل التفصيل إلى محاضرة مسجلة لاحقاً بإذن الله تعالى.
1. المرجعية الدينية في النجف الأشرف أوعى من أن تقع فريسة هذا المشروع الاستخباراتي بحيث تسمح بتوظيف زيارة البابا إلى العراق لخدمة هذا المشروع المدَّعى والترويج له، ولذا يرجى الانتباه إلى عدم الزجّ بالمرجعية الدينية الشيعية -وكذلك السنيّة- بدعوى أنها صارت أداة لخدمة المشروع.
2. يجب أن نفهم هذه المصطلحات وحقيقتها: الدين – الملة – الشريعة، ونميّز بينها، كي لا تُستغل في الترويج لمثل هذا الطرح من خلال التلاعب في مفاهيمها.
- فالدين عند الله عز وجل واحد، طوال تاريخ البشرية، ولم يتعبّد الله عباده إلا بدين واحد، وكل الأنبياء قبل إبراهيم وبعده، اتّبعوا ودعوا لهذا الدين الواحد، وخلاصته التسليم لله وحده، واسمه الإسلام: (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الإِسْلامُ..... قُلْ آمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ، وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [آل عمران: 19-85] ، ومن المحتمل -بلحاظ الآية السابقة والآتية- أن الاسم من اختيار إبراهيم (ع): (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ) [الحج:78]. ولا معنى بعد هذا أن نستبدل الاسم باسم آخر ولو (الدين الإبراهيمي).
- ومن هذا أيضاً ندرك خطأ عنوان (الأديان الإبراهيمية) الذي سبق وأن قام المستشرق الفرنسي لويس ماسينيون (ت1962م) باستحداثه، ويقال أن المشروع يطرحه كأحد خيارين مع (الدين الإبراهيمي)، فكما قلت، القرآن الكريم يؤكّد على أن دين الله واحد، قبل محمد (ص) وبعده.
- وعندما يدعو نبيٌّ إلى الدين ويتبعه بعض الناس، تظهر الملّة، والتي تمثّل الإطار العام لهذا الدين ومنهجه... فظهرت ملة إبراهيم، ومثيلتها ملة محمد، فكلتاهما ملة التوحيد والتسليم لله وعبادته والعمل الصالح... ولكن لمحمد (ص) شريعة، ولموسى (ع) شريعة، ولإبراهيم (ع) شريعة.
- في شريعة محمد (ص) نصلّي بالطريقة الفلانية، وفي شريعة موسى (ع) يصلّون بطريقة أخرى، وفي شريعة إبراهيم (ع) طريقة خاصة للصلاة... وعلى هذا فقس سائر الأحكام العبادية والمعاملاتية التي قد تلتقي وتتشابه في العنوان والتفاصيل، وقد تشترك في العنوان وتختلف من حيث التفاصيل... وكلٌّ يلتزم بشريعته الخاصة، ولا يصح للمسلم أن يتنازل عن شيء منها بعنوان الاكتفاء بالمشتركات بين الشرائع وإلغاء موارد الاختلاف فيها، أو أن نبتدع طريقة واحدة مشترَكة للصلاة مثلاً، ونلغي طريقتنا في الصلاة، وأمثال ذلك.
3. الدين لا يُكوَّن في مراكز الدراسات الاستراتيجية والدوائر المخابراتية، ولا يمكن أن يكون وليد القوى الاستكبارية... بل الدين صنع الله: (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) [الشورى:13].
4. يجب الحذر من العناوين الرنانة والشعارات البراقة التي تنطلق من خلالها حملات الترويج الإعلامية لمثل هذا المشروع وعدم الانخداع بها، من قبيل أن الغاية منها هي الدعوة إلى التركيز على القيم الأخلاقية المشتركة، كالمحبة والتسامح والبر وإتقان العمل، وعناوين العيش المشترك، والتخلّص من العنف وحقوق الإنسان وما إلى ذلك، فالغاية الحقيقية هي خدمة مشروعهم السياسي.
5. حيثما وَجدنا الصهيونية متحمّسة لمشروعٍ ما، فعلينا أن تُدرك خُبث الغايات، وأنها من مصايدها الشياطينية... وكم من كلمة حق يُراد بها باطل.
- إنّ الدعوة لتكوين (الدين الإبراهيمي) بديلاً عن الإسلام والمسيحية واليهودية ليست إلا محاولة أخرى تستهدف -على وجه التحديد- الإسلامَ بسوء، وإن تلبَّسَت -في صورتها الظاهرية- بعنوان خدمة الإنسانية وإقرار السلام والعيش المشترك. ولو ثبت تأييد الصهيونية لهذا المشروع فسيكون دليلاً آخر على النوايا الخبيثة الكامنة فيه، وخدمة غاياتها والغايات الاستكبارية، وترسيخ الاحتلال الإسرائيلي من خلال استغلال بعض العناوين الدينية، والضرب على الوتر العاطفي، وتزييف التاريخ والتلاعب بالمفاهيم الدينية.